عودة الشرق الأوسط للمسيح

لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ يَهْوِه الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.

Archive for 11 أوت، 2007

دعوة المسيح : هل كانت خاصة للشعب اليهودي فقط؟!

Posted by mechristian في أوت 11, 2007

دعوة المسيح : هل كانت للشعب اليهودي فقط؟!

يقول المعترض بأن السيد المسيح لم يرسل إلا لليهود فقط

للرد (البابلي)

1. سنجمع جميع الايات المعترض عليها التي تقول بأن السيد المسيح لم يرسل إلا لخراف بيت اسرائيل الضالة و نوضحها جميعها مرة واحدة

(( وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا ، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل )) متى [ 2 : 6 ]

(( فقال لها الملاك : لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله ، وها أنت ستحبلين أبناً وتسمينه يسوع . . ويعطيه الرب كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلـى الابد )) لوقا [ 1 : 30 ]

((21فَسَتَلِدُ ابْناً، وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ يَسُوعَ، لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ ))

وقد ورد في إنجيل متى [ 2 : 1 ] : (( وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ 2قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ ؟ ))

(( فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي: أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ».)) [ متى 27: 11 ]

لنوضحها جميعاً معاً

كيف لم يُرسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، وهو القائل لنيقوديموس “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة” (يو3: 16)؟ بل وسبق فشهد الأنبياء في العهد القديم عن مجيء المسيّا للعالم كله، اليهود والأمم معًا؟

يجيب القدّيس أغسطينوس: [إننا نفهم من هذا أنه لاق به أن يُعلن عن حضوره بالجسد وميلاده، وعمل معجزاته وقوّة قيامته وسط هذا الشعب، فإنه هكذا قد دبّر الأمر منذ البداية. ما سبق فبُشِّر به قد تحقّق بمجيء المسيح يسوع لأمّة اليهود كي يُقتل، لكنّه يربح منهم الذين سبق فعرفهم، فإنه لم يدن الشعب كلّه، إنّما فحصهم فوجد بينهم تبنًا كثيرًا، ووجد أيضًا حنطة مختفية. منهم ما هو يُحرق، ومنهم ما يملأ المخازن، فإنه من أين جاء الرسل؟!] كما يقول: [لأنه لم يذهب بنفسه للأمم، بل أرسل تلاميذه، فيتحقّق ما قاله النبي: “شعب لم أعرفه يتعبّد لي” (مز 18: 43). انظر كيف أوضحت النبوّة الأمر كيف تحقّق؟! تحدّثت بوضوح: “شعب لم أعرفه”؛ كيف؟ يكمّل قائلاً: “من سماع الأذن يسمعون لي” (مز 18: 44)، أي يؤمنون لا خلال النظر بل خلال السمع، لهذا نال الأمم مديحًا عظيمًا. فإن (اليهود) رأوه فقتلوه، الأمم سمعوا عنه وآمنوا به.]

لننتقل لارساله للتلاميذ و الذي تم عن مرحلتين

المرحلة الأولى : “هؤلاء الإثنا عشر أرسله يسوع وأوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريّين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالأحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة” [5-6].

في بدء كرازتهم حدّد لهم منطقة الكرازة “بالأمة اليهوديّة” دون أن يتجاوزوها إلى مدينة للسامريّين أو طريق للأم، على أنه قبيل صعوده أعلن لهم حدود الكرازة بقوله في نفس الإنجيل: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم” (28: 19). فإنه لم يسمح لهم بالكرازة بين الأمم إلا بعد أن يُعلن اليهود رفضهم للمسيّا. لم يكن هذا تحيزًا لليهود على حساب الأمم، وإنما لكي لا يتشكّك اليهود في رسالته المسيحانيّة، فإذا ما رفضوه ينفتح الباب للأمم، وإن كان السيّد المسيح نفسه لم يحرم السامرة من خدمته وبعض الأمميّين من التمتّع ببركات نعمه.

ويلاحظ أن الكلمة “أوصاهم” جاءت في اليونانيّة Paragellein وهي تستخدم في ظروف معيّنة، منها:

أولاً: في القيادات العسكرية في الجيوش، وكأن السيّد يمثّل القائد الأعلى في معركة دائمة ضدّ إبليس وكل أعماله. على تلاميذه أن يتهيّأوا للخدمة، لا كطريق للكرامة، بل للجهاد الروحي المستمر والقتال ضدّ عدوّ الخير نفسه. ليس ضدّ بشر، وإنما ضدّ الشيطان والقوات الروحيّة الشرّيرة (أف 6: 10-12).

ثانيًا: تستخدم من الصديق حينما يدعو أصدقاءه للمساندة، هنا يظهر السيّد المسيح في علاقته بتلاميذه على مستوى علاقة الصداقة فوق الرسميّات والبروتوكولات.

ثالثًا: يستخدمها المعلّم أو الفيلسوف مع تلاميذه ومريديه، وكأن السيّد المسيح يتحدّث مع تلاميذه كمريديه الذي يتتلمذون على يديه ليحملوا فكره.

رابعًا: تستخدم أيضًا في الأوامر الإمبراطورية، وكأنما السيّد المسيح هو الملك الذي يرسل سفراءه، يحملون سماته شهادة حق له، ويعلنون دستوره الروحي في حياتهم كما في كرازتهم.

ويرى القدّيس كبريانوس أن هذه الوصيّة لا تزال حيّة وتلتزم بها الكنيسة، فمدينة السامريّين تعني جماعة المنشقّين، وطريق الأمم يعني طريق الهراطقة. فالكنيسة مع اتّساع قلبها للعالم كلّه المؤمن وغير المؤمن لتغسل أقدام الجميع، لا تقبل في شركتها جماعة المنشقّين أو تعاليم الهراطقة، بل تحذر أولادها وتحفظهم منهم.

المرحلة الثانية أصبحت عامة للبشرية جمعاء حيث قال السيد لتلاميذه في بشارة معلمنا متى

“وأما الأحد عشر تلميذًا فانطلقوا إلى الجليل حيث أمرهم يسوع، ولما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكوا. فتقدّم يسوع وكلّمهم قائلاً: دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلِّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيْتكم به. وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر. آمين” [16-20].

و أنهي كلامي بقول السيد “ولي خراف أخرى ليست من هذه الحظيرة،  ينبغي أن آتي بتلك أيضًا، فتسمع صوتي، وتكون رعيةً واحدةً، وراعٍ واحدٍ”.  يو 16.10

2. الان ننتقل لتعيلق الاخ البابلي حول هذا الموضوع

فما تزعموا يا مسلمين عن محدودية رسالة المسيح ..فهذا ادحضه عليك وعلى امثالك بعشرة نقاط ونصوص من الانجيل وبالتحديد من فم المسيح المبارك ..

بما يلي :

1- فرح المسيح وتهلله يوم جاءه الوفد اليوناني الاممي لمقابلته في اورشليم

( يوحنا 20:12-23) ..

وفي هذا دليل على محبة المسيح للامم وارادته لخلاصهم ..

2- في شرح المسيح لمثل الزوان .. حدد بان
{ الحقل هو العالم } ( متى 38:13) ..

فرسالة المسيح وانجيله سيزرع في كل الحقل اي العالم .. فرسالته عالمية !

3- واروع ما قاله لتلاميذه والمؤمنين به في عظته على الجبل قوله : { انتم ملح الارض انتم نور العالم } ( متى 13:5و14) ..

لاحظ : الارض ! .. والعالم ! ..

فرسالته تتجاوز اليهودية الى كل الارض والعالم !

4- عبارات صريحة بعالمية رسالته بقوله المبارك :{ الحق اقول لكم حيثما يكرز بهذا الانجيل في كل العالم يخبر ايضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها } ( مرقس 10:13 )5- قول المسيح له كل المجد :

{ واقول لكم ان كثيرين سياتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابراهيم واسحاق ويعقوب في ملكوت السموات . واما بنو الملكوت فيطرحون الى الظلمة الخارجية } ( متى 11:18و12).6- قوله للاثني عشر : {

ولي خراف اخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي ان اتي بتلك ايضاً فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد } ( يوحنا 16:10).7- ورسالة المسيح كانت خلاصية لكل العالم بقوله لنيقوديموس :

{ لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية } ( يوحنا 16:3).8- قوله لتلاميذه بعد قيامته :

{ وان يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الامم مبتداً من اورشليم } ( لوقا 46:24-47).9- قوله في وصيته الاخيرة لتلاميذه قبل صعوده الى السموات :

{ اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها } ( مرقس 15:16).10 – امر المسيح لرسله بعد قيامته :

{ فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس . وعلموهم ان يحفظوا جميع ما اوصيتكم به . وها انا معكم كل الايام الى انقضاء الدهر } ( متى 18:28-20).هذه عشرة تصريحات كاملة .. بفم المسيح المبارك عن عالمية رسالته

والان لندحض الباطل , وما اقتبسه الزميل من الانجيل مبتوراً مقصوصاً ليفسره كما يشاء !

إقتباس:

أولاً : ورد بإنجيل متى ما يحكيه على لسان الله :(( وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا ، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل )) متى [ 2 : 6 ] فقوله ( يرعى شعبي إسرائيل ) إشارة واضحة ان دعوة المسيح ستكون لشعب اليهود فقط .

الجواب :

والان ناتي الى تخبطاتك العشوائية التي يخالطها علمك الهزيل !

هذا النص نفهمه على ضوء النصوص الكثيرة الاخرى عن عالمية رسالته ..فهو ان كان يرعى شعب اسرائيل فهذا لا يعني انه لن يرعى بقية الامم ..

فهذا يتعلق بالجزء الاول من خطته الخلاصية ..

وهي كما يعلم الباحث تنقسم الى قسمين :

1- مجيئ المسيح وتبشيره اليهود شعبه اولاً ( مع ما تخللها من تخليص لامميين مثل السامرية وقريتها سوخار الخ )

2- ثم ارسال المسيح لتلاميذه لتبشير اليهود اولاً ثم الامم ثانياً ..

ولكن العتب ليس فقط على الفهم انما ايضاً على الاعوجاج والانتقائية !

ثم يواصل بن تيمية طرح فلتات علمه ..!

إقتباس:

ثانياً : لما جاء الملاك إلي السيدة مريم العذراء وبشرها بولادة يسوع أخبرها بأنه يكون على بيت يعقوب :(( فقال لها الملاك : لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله ، وها أنت ستحبلين أبناً وتسمينه يسوع . . ويعطيه الرب كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلـى الابد )) لوقا [ 1 : 30 ]

الجواب :
المسيح هو الملك منذ ان تجسد وهو من نسل داود وهو ملك على كل من يؤمن به من ” بيت يعقوب ” او من ” الخراف الاخر ” اي غير اليهود !

وتحقيق كلام الملاك حرفياً فسيتم في المجيئ الثاني للمسيح وهو قريب ..

وهو حين يملك ملكاً ابدياً على كل الكون !

ثم يقول بن تيمية ( نقلاً عن مواقعهم اياها ) :

إقتباس:

ثالثاً : هناك اشارة أخرى واضحة على ان دعوة المسيح هي لشعب اليهود فقط وقد جاءت على لسان الملاك الذي ظهر ليوسف النجار في إنجيل متى [ 1 : 21 ] :((21فَسَتَلِدُ ابْناً، وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ يَسُوعَ، لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ )) ان قول الملاك : (( يخلص شعبه )) فيه الدليل على مخصوصية دعوة المسيح .

الجواب :
” مخصوصية دعوة المسيح” ؟؟؟؟

اين المنع في النص ليخلص كل الشعوب ؟؟؟؟

هات تفسير هذا النص الذي تستنتج منه عبقرياتك الفواتك ؟؟؟!!!!

ثم تقول ( لصقاً ) :

إقتباس:

رابعاً: وقد اختار المسيح اثنى عشر تلميذاً ليكونوا تلاميذه وأحباءه ومساعديه في نشر دعوتــه وكان اختياره لهم من بين اليهود أنفسهم ، وينقل ذلك إنجيل متى في محاورة بين المسيح وبين أحد تلاميذه وهو بطرس (( فأجاب بطرس حيئذ وقال له : ها نحن قد تركنا كـل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا ؟ فقال يسوع الحق أقول لكم انكم أنتم الذين تبعتموني فـي التجديد ، متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثنى عشـر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر )) متى [ 19 : 27 ]فالمسيح يقول لهم إنهم يدينون أسباط إسرائيل فقط ، ولم يقل لهم أنهم يدينون شعوب العالم ، وهذه كناية أو إشارة إلى أن رسالته وهم من بعده قاصرة على شعب اليهودية المتفرع من أسباط الاثنى عشر .

الجواب :
بفكرك الهش تظن بانهم ” سيقتصرون ” فقط على ادانة اسباط اسرائيل ..
وان فعلوا ..

فهم كانوا يهوداً وسيدينونهم على اساس ان المسيح جاء لهم وهؤلاء قد امنوا به ..

والدينونة لباقي الشعوب هي للمسيح .. وهذا دليل على انه لجميع الخليقة والعالم ..

نواصل دحر الباطل :

إقتباس:

خامساً : إن المسيح عليه السلام عندما أرسل تلاميذه لينشروا دعوته بين اليهود كرر لهم الوصية يقصروا الدعوة على اليهود ، بل وحذرهم من دخول مدن الأمم الأخرى ، ولو كانـوا جيراناً لليهود : وقد ذكر إنجيل متى [ 10 : 5 ](( هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم لا تمضوا إلى مدينة للسامريين لا تدخلوا ، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة )) . سادساً : لما بدأ يسوع في الدعوة إلى الله ، أعلن أنها قاصرة على بني إسرائيل ولا تمتد إلى غيرهم لذلك نراه يقول في متى [ 15 : 24 ] :(( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ))

ولاحظ عزيزي القارىء أن ( إلا ) هي أداة للحصر ، حصر بها المسيح رسالته ضمن الشعب الاسرائيلي .

الجواب :
سبق ان دحضنا البندين خامساً وسادساً بتفصيل في مداخلتي السابقة اعلاه ( فالرجاء العودة اليها ) !

يقول بن تيمية :

إقتباس:

سابعاً: وحتى عندما رفضت أورشليم رسالة المسيح ناجاها بكلام يستفاد منه أن رسالته هي لشعب اليهود الذي كان مستعمراً لمدينة القدس وقتئذ : (( يا أورشليم يا أورشليم .. يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا )) متى [ 37 : 23 ]

الجواب :
اين الكلام الذي يستفاد منه بان رسالته قومية وحسب .. ام انك تتخيل ..؟؟؟!!!

رسالته هي لليهود اولاً ثم لليهود والامم ثانياً بارساليته لتلاميذه !

اما كون اليهود مستعمرين للقدس .. فاسالك : هل استعمروها بامر الله ام عدواناً ؟؟؟؟؟؟

يا مؤرخ اجبنا ؟؟؟؟

ثم تقول زاعماً :

إقتباس:

وقد ورد في إنجيل متى [ 2 : 1 ] : (( وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ 2قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ ؟ ))بل كانت التهمة الموجهة إليه أنه ملك اليهود : (( فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي: أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ».)) [ متى 27: 11 ] لقد كان المسيح عليه الصلاة والسلام معروفاً عند الناس أنه نبى اليهود وبنى إسرائيل ليس إلا . .

الجواب :
اولاً : كونه ” ملك اليهود ” ..

فنعم المسيح ملك اليهود وملك اورشليم لانه يهودي من شعب اسرائيل وهو المسيح المنتظر اليهم اولاً ثم الى الامم ثانياً ..!

ثانياً : بالنسبة الى مجيئ المجوس ( البابليين ) :

فأسألك :

وما الذي جعل المجوس ( البابليين ) الاممين ان ياتوا ليسجدوا له ويؤمنوا به .. ؟؟؟؟

والجواب هو من الكتاب المقدس ذاته وتحديداً من سفر دانيال ..

اذ تنبا النبي دانيال الذي قيل عنه ” كبير المجوس ” ( سفر دانيال 11:5) ..

بمجيئ المسيح ( ابن الانسان ) الذي سلطانه الى ابد الدهور لجميع الامم !

{ فاعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والامم والالسنة. سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض } ( دانيال 13:7-14)فهو ملك اليهود .. لانه يهودي من شعب اسرائيل ..

بل انه المسيا المنتظر كما تنبا عنه دانيال النبي ( كبير المجوس) الذي ستتعبد له كل الشعوب والامم والالسنة من كل العالم ..

وبسبب هذه النبوة اتى ” المجوس ” من ارض بابل ” ليتعبدوا ” لهذا ” الابن الانسان ” ويقدموا له باكورة ايمان الامم والشعوب !

له كل مجد وحمد وسلطان ..

اما حول ما ورد عن امر المسيح لتلاميذه:{ الى طريق امم لا تمضوا ومدينة للسامريين لا تدخلوا } ..

فقد قالها في اول ارسالية يرسلهم بها .. وكانت عبارة عن دورة تدريبية !

والسبب يرجع الى ان تبشير السامريين حينها صعباً عليهم في البداية .. كونهم يهوداً ..

واليهود والسامريين لا يتعاملون مع بعضهم البعض ( راجع يوحنا 9:4) !

حتى ان المسيح له المجد قد صادف احدى المرات مدينة للسامريين قد اغلقت بابها في وجهه .. لانه كان متجهاً نحو اسرائيل ..( لوقا 53:9).

فالمسألة لم تكن بالامر الهين في البداية ..

بينما الامر في غاية السهولة في الذهاب الى اليهود ..

اذ هم بني جنسهم وقومهم .. واليهود كانوا هم شعب الله المختار صاحب الشرائع والانبياء ..
والذين قال فيهم الرسول بولس :

{ اخوتي وانسبائي حسب الجسد الذين هم اسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد , ولهم الاباء ومنهم المسيح حسب الجسد .. } ( رومية 3:9-5).

وهم الذين كانت عندهم النبوات عن مجيئ المسيح واوصافه والرموز التي تشير اليه ..

ولكن بعد ان تغيرت الظروف .. وتبدلت افكار التلاميذ تدريجياً لفترة تدربهم المتواصلة مع المسيح .. بدأ المسيح يعلمهم كيف يبشروا للجميع ..

وقد فتح هو الباب اولاً امامهم بقدوته الصالحة .. اذ دعا السامرية وخلصها .. وذهب الى مدينتها وخلص قومها جميعاً ..

وقال لتلاميذه عنهم :

{ ارفعوا عيونكم وانظروا الحقول , انها قد ابيضت للحصاد .. انا ارسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه } ( يوحنا 35:4و 38).وكانت وصيته الاخيرة لتلاميذه بأن يبشروا السامرة لا بل كل الارض ..

{ ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم . وحينئذ تكونون لي شهوداً في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض } ( اعمال 8:1).وعبارة ” اقصى الارض ” في كلام المسيح تعني العالم كله .. لان رسالته عالمية !

وقوله المبارك الصريح :

{ اذهبوا وتلمذوا جميع الامم , وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس . وعلموهم جميع ما اوصيتكم به } ( متى 19:28و20).اذاً فقد وجههم اخيراً الى الامم كلها !

وهي المرحلة النهائية !

بينما في البداية كان الذهاب الى الامم مهمة صعبة وشاقة جداً على التلاميذ المبتدئين ..

فلم يكن من الداعي لان يبدأهم بمهمة صعبة من البداية تجعلهم يفشلون ويحبطون ..!

اذن عبارة ” الى طريق امم لا تمضوا ” .. كانت مهمة اولية ووصية مرحلية لفترة زمنية محددة ..
الى حين ان يمهد لهم المسيح الطريق بنفسه من جهة ..
وهو القائل للاثني عشر :

{ ولي خراف اخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي ان اتي بتلك ايضاً فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد } ( يوحنا 16:10).

والى ان ينالوا الروح القدس من جهة ثانية ..

وهكذا حدث .. اذ دخل الناس في دين المسيح افواجاً من المشارق والمغارب ومن اقاصي الارض ..

كما سبق وتنبأ له المجد عن ذلك .. بقوله الكريم :

{ واقول لكم ان كثيرين سياتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابراهيم واسحاق ويعقوب في ملكوت السموات . واما بنو الملكوت فيطرحون الى الظلمة الخارجية } ( متى 11:18و12).وقد تمت ترجمة الانجيل في يومنا هذا الى اكثر من 2400 لغة ولهجة حول العالم .. المعروفة منها والمجهولة ..!

وما اجمل قوله له المجد :

{ الحق اقول لكم حيثما يكرز بهذا الانجيل في كل العالم يخبر ايضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها } ( مرقس 10:13 )وما اعظم ما راه الرسول يوحنا الحبيب في رؤياه المقدسة عن وقوف جميع الامم المخلصون بدم المسيح امام عرشه في اليوم الاخير ..

من كل امة وجنس ولون ولسان ..!

اقرأ :

سفر الرؤيا الاصحاح السابع :

9 بعد هذا نظرت واذا جمع كثير لم يستطع احد ان يعدّه من كل الامم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون امام العرش وامام الخروف ومتسربلين بثياب بيض وفي ايديهم سعف النخل
10 وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لالهنا الجالس على العرش وللخروف.
11 وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الاربعة وخرّوا امام العرش على وجوههم وسجدوا للّه
12 قائلين آمين. البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لالهنا الى ابد الآبدين. آمين
13 واجاب واحد من الشيوخ قائلا لي هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن اين أتوا.
14 فقلت له يا سيد انت تعلم. فقال لي هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيّضوا ثيابهم في دم الخروف.
15 من اجل ذلك هم امام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلا في هيكله والجالس على العرش يحل فوقهم.
16 لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحرّ
17 لان الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم الى ينابيع ماء حيّة ويمسح الله كل دمعة من عيونهم
________________________
ومن ذات السفر الاصحاح الخامس :

9 وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق انت ان تأخذ السفر وتفتح ختومه لانك ذبحت واشتريتنا للّه بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وامّة
10 وجعلتنا لالهنا ملوكا وكهنة فسنملك على الارض
_______________________
اذن كل قبيلة ولسان وشعب وامة .. سيكونون من اتباع المسيح الذين اشتراهم بدمه ..

متمنياً لك من كل قلبي ان تكون من ضمن جمعهم المبارك يا بن تيمية .. راجياً لك الخلاص !

3. اضاف نيو مان

ففتح بطرس فاه وقال . بالحق انا اجد ان الله لا يقبل الوجوه‎ . 35 ‎بل في كل امة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده 36 الكلمة التي ارسلها الى بني اسرائيل يبشر بالسلام بيسوع المسيح . هذا هو رب الكل‎ . 37 ‎انتم تعلمون الامر الذي صار في كل اليهودية مبتدئا من الجليل بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا‎ . 38 ‎يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيرا ويشفي جميع المتسلط عليهم ابليس لان الله كان معه‎ . 39 ‎ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي اورشليم . الذي ايضا قتلوه معلقين اياه على خشبة‎ . 40 ‎هذا اقامه الله في اليوم الثالث واعطى ان يصير ظاهرا 41 ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فانتخبهم . لنا نحن الذين اكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الاموات‎ . 42 ‎واوصانا ان نكرز للشعب ونشهد بان هذا هو المعين من الله ديانا للاحياء والاموات‎ . 43 ‎له يشهد جميع الانبياء ان كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا
اعمال 10 : 34 – 43

Posted in لاهوت دفاعي -عام, رد على أكاذيب إسلامية, عقيدة مسيحية | Leave a Comment »

رسالة المسيح في الاسلام .. قومية ام عالمية ؟!

Posted by mechristian في أوت 11, 2007

البابلي

 

سلام المسيح رب العالمين وسيد الخلق اجمعين وبعد

هذا موضوع ارد فيه على اعتراض المسلمين القائلين بقومية رسالة المسيح , وانه رسول فقط لبني اسرائيل دون العالمين ..

اذ يلقي المسلمين اتهاماتهم جزافاً ضد الرسول الكريم بولس متهمين اياه بجعل رسالة المسيح عالمية ..

وتحويلها عن كونها مجرد قومية !!

وهذا الادعاء يسقط وينهار اذا ما نظرنا الى دعوة ورسالة المسيح كما جاءت في الاسلام .

لننظر في بعض النقاط ولنكتشف كنه طبيعة رسالة المسيح .. هل كانت قومية ام عالمية ؟؟!!

———————–

لنبدأ بالقران وتفاسيره :

اولاً : جاء في سورة البروج :

{قتل اصحاب الاخدود. النار ذات الوقود . اذ هم عليها قعود. وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود. وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد } ( البروج :4-8).

وجاء في تفسير القرطبي ( الجامع لاحكام القران ) التالي :

أَيْ الَّذِينَ خَدَّدُوا الْأَخَادِيد وَقَعَدُوا عَلَيْهَا يُلْقُونَ فِيهَا الْمُؤْمِنِينَ , وَكَانُوا بِنَجْرَان فِي الْفَتْرَة بَيْن عِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ . . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الرُّوَاة فِي حَدِيثِهِمْ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ صُهَيْب : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ مَلِك فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ , وَكَانَ لَهُ سَاحِر ; فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ : إِنِّي قَدْ كَبِرْت فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمهُ السِّحْر ; فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ ; فَكَانَ فِي طَرِيقه إِذَا سَلَكَ , رَاهِب , فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامه , فَأَعْجَبَهُ ; فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِر مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ ; فَإِذَا أَتَى السَّاحِر ضَرَبَهُ ; فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِب , فَقَالَ : إِذَا خَشِيت السَّاحِر فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي . وَإِذَا خَشِيت أَهْلَكَ فَقُلْ : حَبَسَنِي السَّاحِر . فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّة عَظِيمَة قَدْ حَبَسَتْ النَّاس , فَقَالَ : الْيَوْم أَعْلَم السَّاحِر أَفْضَل أَمْ الرَّاهِب أَفْضَل ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْر الرَّاهِب أَحَبَّ إِلَيْك مِنْ أَمْر السَّاحِر فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّة , حَتَّى يَمْضِي النَّاس ; فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاس . فَأَتَى الرَّاهِب فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِب : أَيْ بَنِي ؟ أَنْتَ الْيَوْم أَفْضَل مِنِّي , قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرك مَا أَرَى , وَإِنَّك سَتُبْتَلَى ; فَإِنْ ابْتُلِيت فَلَا تَدُلّ عَلَيَّ . وَكَانَ الْغُلَام يُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَيُدَاوِي النَّاس مِنْ سَائِر الْأَدْوَاء . فَسَمِعَ جَلِيس لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ , فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَة فَقَالَ : مَا هَا هُنَا لَك أَجْمَع إِنْ أَنْتَ شَفَيْتنِي . فَقَالَ : إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا , إِنَّمَا يَشْفِي اللَّه ; فَإِنْ أَنْتَ آمَنْت بِاَللَّهِ دَعَوْت اللَّه فَشَفَاك ؟ فَآمَنَ بِاَللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّه . فَأَتَى الْمَلِك فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِس ; فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : مَنْ رَدَّ عَلَيْك بَصَرك ؟ قَالَ رَبِّي . فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَام ; فَجِيءَ بِالْغُلَامِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : أَيْ بُنَيَّ ! أَقَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِك مَا تُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَتَفْعَل وَتَفْعَل ؟ ! قَالَ : أَنَا لَا أَشْفِي أَحَدًا , إِنَّمَا يَشْفِي اللَّه . فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِب ; فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ , فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِك . فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِنْشَارِ , فَوَضَعَ الْمِنْشَار فِي مَفْرِق رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ … وَرَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ مَلِك بِنَجْرَان , وَفِي رَعِيَّتِهِ رَجُل لَهُ فَتًى , فَبَعَثَهُ إِلَى سَاحِر يُعَلِّمُهُ السِّحْر , وَكَانَ طَرِيق الْفَتَى عَلَى رَاهِب يَقْرَأ الْإِنْجِيل ; فَكَانَ يُعْجِبُهُ مَا يَسْمَعُهُ مِنْ الرَّاهِب , فَدَخَلَ فِي دِين الرَّاهِب ; وَأَنَّ الْمَلِك لَمَّا رَمَاهُ بِالسَّهْمِ وَقَتَلَهُ قَالَ أَهْل مَمْلَكَة الْمَلِك : لَا إِلَه إِلَّا إِلَه عَبْد اللَّه بْن ثَامِر , وَكَانَ اِسْم الْغُلَام , فَغَضِبَ الْمَلِك , وَأَمَرَ فَخُدَّتْ أَخَادِيد , وَجُمِعَ فِيهَا حَطَب وَنَار , وَعَرَضَ أَهْل مَمْلَكَته عَلَيْهَا .. وَقَالَ الضَّحَّاك : هُمْ قَوْم مِنْ النَّصَارَى كَانُوا بِالْيَمَنِ قَبْل مَبْعَث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِينَ سَنَة , أَخَذَهُمْ يُوسُف بْن شَرَاحِيل بْن تُبَّع الْحِمْيَرِيّ , وَكَانُوا نَيِّفًا وَثَمَانِينَ رَجُلًا , وَحَفَرَ لَهُمْ أُخْدُودًا وَأَحْرَقَهُمْ فِيهِ . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ ,… وَقِيلَ : قَوْم مِنْ النَّصَارَى كَانُوا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ زَمَان قُسْطَنْطِين . وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ كَانَ أَحَدهمَا بِتِهَامَة , وَالْآخَر بِنَجْرَان , أَجَّرَ أَحَدُهُمَا نَفْسه ,

فَجَعَلَ يَعْمَل وَيَقْرَأ الْإِنْجِيل ; فَرَأَتْ اِبْنَة الْمُسْتَأْجِر النُّور فِي قِرَاءَة الْإِنْجِيل , فَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا فَأَسْلَمَ . وَبَلَغُوا سَبْعَة وَثَمَانِينَ بَيْن رَجُل وَامْرَأَة , بَعْد مَا رُفِعَ عِيسَى , فَخَدَّ لَهُمْ يُوسُف بْن ذِي نُوَاس بْن تُبَّع الْحِمْيَرِيّ أُخْدُودًا , وَأَوْقَدَ فِيهِ النَّار ; وَعَرَضَهُمْ عَلَى الْكُفْر , فَمَنْ أَبَى أَنْ يَكْفُر قَذَفَهُ فِي النَّار , وَقَالَ : مَنْ رَجَعَ عَنْ دِين عِيسَى لَمْ يُقْذَف . .. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : كَانَ رَجُل مِنْ بَقَايَا أَهْل دِين عِيسَى بْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام , يُقَال لَهُ قيميون , وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا مُجَاب الدَّعْوَة , وَكَانَ سَائِحًا فِي الْقُرَى قَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَكَانَ أَهْل نَجْرَان أَهْل شِرْك يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام , وَكَانَ فِي قَرْيَة مِنْ قُرَاهَا قَرِيبًا مِنْ نَجْرَان سَاحِر يُعَلِّم غِلْمَان أَهْل نَجْرَان السِّحْر ; فَلَمَّا نَزَلَ بِهَا قيميون , بَنَى بِهَا خَيْمَة بَيْن نَجْرَان وَبَيْن تِلْكَ الْقَرْيَة الَّتِي بِهَا السَّاحِر , فَجَعَلَ أَهْل نَجْرَان يَبْعَثُونَ غِلْمَانهمْ إِلَى ذَلِكَ السَّاحِر يُعَلِّمهُمْ السِّحْر , فَبَعَثَ إِلَيْهِ الثَّامِر عَبْد اللَّه بْن الثَّامِر , فَكَانَ مَعَ غِلْمَان أَهْل نَجْرَان , وَكَانَ عَبْد اللَّه إِذَا مَرَّ بِصَاحِبِ الْخَيْمَة أَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْ أَمْر صَلَاته وَعِبَادَته , فَجَعَلَ يَجْلِس إِلَيْهِ وَيَسْمَع مِنْهُ , حَتَّى أَسْلَمَ , فَوَحَّدَ اللَّه وَعَبَدَهُ ,.. وَاجْتَمَعَ أَهْل نَجْرَان عَلَى دِين عَبْد اللَّه بْن الثَّامِر , وَكَانَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى بْن مَرْيَم مِنْ الْإِنْجِيل وَحُكْمه . ثُمَّ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ أَهْل دِينِهِمْ مِنْ الْأَحْدَاث ; فَمِنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْل النَّصْرَانِيَّة بِنَجْرَان . فَسَارَ إِلَيْهِمْ ذُو نُوَاس الْيَهُودِيّ بِجُنُودِهِ مِنْ حِمْيَر , فَدَعَاهُمْ إِلَى الْيَهُودِيَّة , وَخَيَّرَهُمْ بَيْن ذَلِكَ أَوْ الْقَتْل , فَاخْتَارُوا الْقَتْل ..

ولنا هنا تعليق صغير :

ماذا تفعل النصرانية في اليمن ؟؟! 

ما الذي اتى بها هناك ..؟؟!

ومن اعطى لاتباع عيسى الحق والسلطان ان يدعوا الى دينهم خارج بني اسرائيل ان كانت دعوة المسيح قومية وحسب ..؟؟

اذن لقد دخلت رسالة المسيح الى اليمن في الفترة بين عيسى ومحمد ..؟!

فرسالة المسيح وصلت الى اليمن اذن ..

ومن اليمن خرج نصارى نجران الذين اوفدوا الى محمد وفداً ليناظره ويناقشه في دعوته ..

ومع الاختلافات العقائدية الكبيرة بين الطرفين .. الا اننا لم نقرأ لمحمد اي رفض او نقض لدعوة المسيح ورسالته في بلادهم ..

ولم يجادلهم في ان دعوة المسيح هي فقط محصورة في بني اسرائيل وليست لهم او لغيرهم ..!! 

ثانياً : ديانة المسيح دخلت الى اوربا :

فقد جاء في سورة الكهف .. قصة الفتية الذين اووا الى الكهف هرباً من اضطهاد الكفار لهم وكانوا على دين عيسى !!

جاء في تفسير القرطبي لسورة ( الكهف 9):

اقوال العلماء في تفسيرهم لعبارة ” الرقيم ” .. ومن تلك الاقوال قال ابن عباس :

وعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : الرَّقِيم كِتَاب مَرْقُوم كَانَ عِنْدهمْ فِيهِ الشَّرْع الَّذِي تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ دِين عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام .

فهم كانوا على دين عيسى وشريعته ..

لكن ما الذي جاء بهم بلاد الروم .. ان كانت دعوة المسيح قومية وحسب ؟؟!!

لنواصل :

وجاء في تفسيره ( للكهف : 10):

وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ مَلِكًا مِنْ الْمُلُوك يُقَال لَهُ دِقْيَانُوس ظَهَرَ عَلَى مَدِينَة مِنْ مَدَائِن الرُّوم يُقَال لَهَا أُفْسُوس . وَقِيلَ هِيَ طَرَسُوس وَكَانَ بَعْد زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَأَمَرَ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَام فَدَعَا أَهْلهَا إِلَى عِبَادَة الْأَصْنَام , وَكَانَ بِهَا سَبْعَة أَحْدَاث يَعْبُدُونَ اللَّه سِرًّا , فَرُفِعَ خَبَرهمْ إِلَى الْمَلِك وَخَافُوهُ فَهَرَبُوا لَيْلًا , وَمَرُّوا بِرَاعٍ مَعَهُ كَلْب فَتَبِعَهُمْ فَآوَوْا إِلَى الْكَهْف فَتَبِعَهُمْ الْمَلِك إِلَى فَم الْغَار , فَوَجَدَ أَثَر دُخُولهمْ وَلَمْ يَجِد أَثَر خُرُوجهمْ , فَدَخَلُوا فَأَعْمَى اللَّه أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا ; فَقَالَ الْمَلِك : سُدُّوا عَلَيْهِمْ بَاب الْغَار حَتَّى يَمُوتُوا فِيهِ جُوعًا وَعَطَشًا . وَرَوَى مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَة كَانُوا فِي دِين مَلِك يَعْبُد الْأَصْنَام وَيَذْبَح لَهَا وَيَكْفُر بِاَللَّهِ , وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَهْل الْمَدِينَة , فَوَقَعَ لِلْفِتْيَةِ عِلْم مِنْ بَعْض الْحَوَارِيِّينَ – حَسْبَمَا ذَكَرَ النَّقَّاش أَوْ مِنْ مُؤْمِنِي الْأُمَم قَبْلهمْ – فَآمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَأَوْا بِبَصَائِرِهِمْ قَبِيح فِعْل النَّاس , فَأَخَذُوا نُفُوسهمْ بِالْتِزَامِ الدِّين وَعِبَادَة اللَّه ; فَرُفِعَ أَمْرهمْ إِلَى الْمَلِك وَقِيلَ لِي : إِنَّهُمْ قَدْ فَارَقُوا دِينك وَاسْتَخَفُّوا آلِهَتك وَكَفَرُوا بِهَا , فَاسْتَحْضَرَهُمْ الْمَلِك إِلَى مَجْلِسه وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِ دِينه وَالذَّبْح لِآلِهَتِهِ , وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى فِرَاق ذَلِكَ بِالْقَتْلِ ; فَقَالُوا لَهُ فِيمَا رُوِيَ : ” رَبّنَا رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض – إِلَى قَوْله – وَإِذْ اِعْتَزَلْتُمُوهُمْ ” [ الْكَهْف : 16 ] .. وَرَوَى وَهْب بْن مُنَبِّه أَنَّ أَوَّل أَمْرهمْ إِنَّمَا كَانَ حَوَارِيّ لِعِيسَى اِبْن مَرْيَم جَاءَ إِلَى مَدِينَة أَصْحَاب الْكَهْف يُرِيد دُخُولهَا , فَأَجَّرَ نَفْسه مِنْ صَاحِب الْحَمَّام وَكَانَ يَعْمَل فِيهِ , فَرَأَى صَاحِب الْحَمَّام فِي أَعْمَاله بَرَكَة عَظِيمَة , فَأَلْقَى إِلَيْهِ بِكُلِّ أَمْره , وَعَرَفَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِتْيَان مِنْ الْمَدِينَة فَعَرَّفَهُمْ اللَّه تَعَالَى فَآمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ عَلَى دِينه , وَاشْتَهَرَتْ خُلْطَتهمْ بِهِ ; فَأَتَى يَوْمًا إِلَى ذَلِكَ الْحَمَّام وَلَد الْمَلِك بِامْرَأَةٍ أَرَادَ الْخَلْوَة بِهَا , فَنَهَاهُ ذَلِكَ الْحَوَارِيّ فَانْتَهَى , ثُمَّ جَاءَ مَرَّة أُخْرَى فَنَهَاهُ فَشَتَمَهُ , وَأَمْضَى عَزْمه فِي دُخُول الْحَمَّام مَعَ الْبَغِيّ , فَدَخَلَ فَمَاتَا فِيهِ جَمِيعًا ; فَاتُّهِمَ ذَلِكَ الْحَوَارِيّ وَأَصْحَابه بِقَتْلِهِمَا ; فَفَرُّوا جَمِيعًا حَتَّى دَخَلُوا الْكَهْف . وَقِيلَ فِي خُرُوجهمْ غَيْر هَذَا . وَأَمَّا الْكَلْب فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ كَلْب صَيْد لَهُمْ ..

لقد جاء في التفسير بان الفتية قد وصلهم ” علم ” الحواريين ..

وقيل ايضاً بان احد حواريي عيسى اي رسله قد جاء وبشر اهل تلك البلاد ..! 

وجاء في تفسير الطبري في تفسيره ( للكهف : 10):

حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو فِي قَوْله : { أَصْحَاب الْكَهْف وَالرَّقِيم } كَانَتْ الْفِتْيَة عَلَى دِين عِيسَى عَلَى الْإِسْلَام , وَكَانَ مَلِكهمْ كَافِرًا , وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُمْ صَنَمًا , فَأَبَوْا , وَقَالُوا : { رَبّنَا رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَنْ نَدْعُو مِنْ دُونه إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } 18 14 قَالَ : فَاعْتَزَلُوا عَنْ قَوْمهمْ لِعِبَادَةِ اللَّه , فَقَالَ أَحَدهمْ : إِنَّهُ كَانَ لِأَبِي كَهْف يَأْوِي فِيهِ غَنَمه , فَانْطَلِقُوا بِنَا نَكُنْ فِيهِ , فَدَخَلُوهُ , وَفُقِدُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَان فَطُلِبُوا , فَقِيلَ : دَخَلُوا هَذَا الْكَهْف , فَقَالَ قَوْمهمْ : لَا نُرِيد لَهُمْ عُقُوبَة وَلَا عَذَابًا أَشَدّ مِنْ أَنْ نَرْدِم عَلَيْهِمْ هَذَا الْكَهْف , فَبَنَوْهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَدَمُوهُ . ثُمَّ إِنَّ اللَّه بَعَثَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا عَلَى دِين عِيسَى , وَرَفَعَ ذَلِكَ الْبِنَاء الَّذِي كَانَ رُدِمَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { كَمْ لَبِثْتُمْ } ؟ ف { قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } حَتَّى بَلَغَ { فَابْعَثُوا أَحَدكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَة } .. حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : مَرِجَ أَمْر أَهْل الْإِنْجِيل وَعَظُمَتْ فِيهِمْ الْخَطَايَا وَطَغَتْ فِيهِمْ الْمُلُوك , حَتَّى عَبَدُوا الْأَصْنَام وَذَبَحُوا لِلطَّوَاغِيتِ , وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا عَلَى أَمْر عِيسَى اِبْن مَرْيَم , مُتَمَسِّكُونَ بِعِبَادَةِ اللَّه وَتَوْحِيده , فَكَانَ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مُلُوكهمْ , مَلِك مِنْ الرُّوم يُقَال لَهُ : دقينوس , كَانَ قَدْ عَبَدَ الْأَصْنَام , وَذَبَحَ لِلطَّوَاغِيتِ , وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ أَقَامَ عَلَى دِين عِيسَى اِبْن مَرْيَم . كَانَ يَنْزِل فِي قُرَى الرُّوم , فَلَا يَتْرُك فِي قَرْيَة يَنْزِلهَا أَحَدًا مِمَّنْ يَدِين بِدِينِ عِيسَى اِبْن مَرْيَم إِلَّا قَتَلَهُ , حَتَّى يَعْبُد الْأَصْنَام , وَيَذْبَح لِلطَّوَاغِيتِ , حَتَّى نَزَلَ دقينوس مَدِينَة الْفِتْيَة أَصْحَاب الْكَهْف ; فَلَمَّا نَزَلَهَا دقينوس كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى أَهْل الْإِيمَان , فَاسْتَخْفَوْا مِنْهُ وَهَرَبُوا فِي كُلّ وَجْه .

نلاحظ هنا ان قرى الروم كانت تدين بدين المسيح !!

فالحواريين جاءوا الى هذه البلاد ودعوا الناس الى رسالة المسيح ..

فلم يكونوا مخالفين لمبادئ دعوة المسيح وهم { انصار الله } انما قد اطاعوها وماتوا لاجلها وادخلوا دين المسيح الى اوربا .. 

فلو كانت دعوة المسيح قومية .. لما بشروا في اوربا ولما كان لزوماً ان يضطهد الفتية ويعانوا الضيقات ..

لو كانت رسالة المسيح محصورة في حدود ارض اسرائيل .. لما كان لزوماً للحواريين ان ياتوا الى اوربا ..؟!! 

فكيف اذن يدعى البعض زوراً وعوجاً بان بولس هو من حول وحرف رسالة المسيح الى رسالة عالمية ؟!! 

تابع :

واذا ما اتينا الى اوثق كتب السيرة وهو سيرة الرسول لابن هشام

سنجد فيه ما يؤيد عالمية دين المسيح .. اذ جاء في سيرة ابن هشام التالي :

سيرة ابن هشام – الجزء الثاني

[ أسماء الرسل ومن أرسلوا إليهم ]

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا من أصحابه وكتب معهم كتبا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام .

..[ رواية ابن حبيب عن بعث الرسول رسله ]

قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري : أنه وجد كتابا فيه ذكر من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البلدان وملوك العرب والعجم ، وما قال لأصحابه حين بعثهم . قال فبعثت به إلى محمد بن شهاب الزهري فعرفه وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال لهم إن الله بعثني رحمة وكافة فأدوا عني يرحمكم الله ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم ; قالوا : وكيف يا رسول الله كان اختلافهم ؟ قال دعاهم لمثل ما دعوتكم له فأما من قرب به فأحب وسلم وأما من بعد به فكره وأبى ، فشكا ذلك

عيسى منهم إلى الله فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وجه إليهم .

ما نفهمه من هذه الرواية عن محمد بانه ارسل رسله الى الملوك والبلدان لدعوة الاسلام ..

ونلاحظ انه نصح المرسلين بان لا يفعلوا كما فعل الحواريين مع عيسى بعد ان ارسلهم الى العالمين .. اذ استصعب البعض طول المسافة وبعد البلاد التي وجب ان يبشروا فيها برسالته ..

وهذا يعد اعترافاً صريحاً من محمد بان دعوته هي مثل دعوة عيسى من قبل في عالميتها ..!

” دعاهم عيسى لمثل ما دعوتكم ” !!

فلو كانت دعوة محمد عالمية فدعوة عيسى عالمية ايضاً !!

لكن الفرق نراه في تميز ارسالية المسيح لرسله عن غيرها , بفارق المعجزات والخوارق ..

اذ يقول محمد بان رسل المسيح ” تكلم كل واحد منهم بلغة القوم الذين وجه اليهم ” !! ..

وهو ما يعرف في الانجيل : ” بموهبة الالسنة ” التي اعطيت للمؤمنين في يوم الخمسين كما جاء في الانجيل ( سفر اعمال الرسل اصحاح الثاني ).

محمد اخبر اتباعه صريحاً بعالمية دعوة المسيح .. ” دعاهم لمثل ما دعوتكم ” ..

لكن الفرق ان الله اعطى للحواريين المعجزات والتكلم بالالسنة , في حين اعطى محمد رسله رسالة تقول : “اسلم تسلم “!!

فلو كانت ديانة المسيح قومية لبني اسرائيل .. فكيف يخالف عيسى امر الله ويرسل تلاميذه الى الامم المختلفي اللغات ؟!!

ولماذا استجاب الله لشكواه واعطى رسله موهبة التكلم بالسنة ليبشروا الامم البعيدة والقريبة ..؟!!

—————————–

ثانيا من كتب السيرة

ثم لنقرأ سرد ابن هشام عن ابن اسحق اسماء رسل المسيح الذين ارسلوا الى العالم :

جاء :

[ أسماء رسل عيسى ]

قال ابن إسحاق : وكان من بعث عيسى ابن مريم عليه السلام من الحواريين والأتباع الذين كانوا بعدهم في الأرض بطرس الحواري ، ومعه بولس وكان بولس من الأتباع ولم يكن من الحواريين إلى رومية وأندرائس ومنتا إلى الأرض التي يأكل أهلها الناس وتوماس إلى أرض بابل ، من أرض المشرق وفيلبس إلى أرض قرطاجنة ، وهي إفريقية ويحنس إلى أفسوس ، قرية الفتية أصحاب الكهف; ويعقوبس إلى أوراشلم وهي إيلياء ، قرية بيت المقدس ، وابن ثلماء إلى الأعرابية وهي أرض الحجاز ، وسيمن إلى أرض البربر ; ويهوذا ، ولم يكن من الحواريين جعل مكان يودس .

لاحظتم اسم ” بولس ” الرسول بين اسماء تلاميذ المسيح , الذين ارسلهم ليبشروا كل الارض والعالم !!

ونسأل :

اليس ارسال المسيح رسله الى البلدان والقارات التي ذكرت في سيرة ابن هشام الا دليلاً على عالمية رسالته ؟؟!!

والان مرجع اخر :

جاء في كتاب : ( الروض الانف ) للسهيلي ما يشبه السابق :

إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك

الحواريون

ذكر فيه إرسال عيسى ابن مريم الحواريين وأصح ما قيل في معنى الحواريين أن الحواري هو الخلصان أي الخالص الصافي من كل شيء ومنه الحواري ، والحور وقول المفسرين هو الخلصان كلمة فصيحة أنشد أبو حنيفة

خليلي خلصاني لم يبق حسها

من القلب إلا عوذا سببا

لها قال والعوذ ما لم تدركه الماشية لارتفاعه أو لأنه بأهداف فكأنه قد عاذ منها .

معنى المسيح ونهايته

وأصح ما قيل في معنى المسيح على كثرة الأقوال في ذلك أنه الصديق بلغتهم ثم عربته العرب . وكان إرسال المسيح للحواريين بعد ما رفع وصلب الذي شبه به فجاءت مريم الصديقة والمرأة التي كانت مجنونة فأبرأها المسيح وقعدتا عند الجذع تبكيان وقد أصاب أمه من الحزن عليه ما لا يعلم علمه إلا الله فأهبط إليهما ، وقال علام تبكيان ؟ فقالتا : عليك ، فقال إني لم أقتل ولم أصلب ولكن الله رفعني وكرمني ، وشبه عليهم في أمري ، أبلغا عني الحواريين أمري ، أن يلقوني في موضع كذا ليلا ، فجاء الحواريون ذلك الموضع فإذا الجبل قد اشتعل نورا لنزوله به ثم أمرهم أن يدعوا الناس إلى دينه وعبادة ربهم فوجههم إلى الأمم التي ذكر ابن إسحاق وغيره ثم كسي كسوة الملائكة فعرج معهم فصار

ملكيا إنسيا سمائيا أرضيا .

نلاحظ مما سبق :

– لقد وجههم الى الامم ..!!

فليست دعوته لبني اسرائيل وحسب .. بل لجميع الامم ! 

– وقيل في المسيح انه:ملكيا إنسيا سمائيا أرضيا ؟؟

اليس هذا يعني انه يتميز بلاهوت وناسوت ؟؟!!

وان لم يكن المقصود لاهوته.. لكن يتضح بان المسيح يتميز بطبيعتين سمائية وارضية !..

وهو ملكي وانساني في ذات الوقت ..وهو ما لم يتميز به اي رسول او نبي !!

وان كان هذا واقعاً فكيف لا تكون رسالة هذا المسيح العجيب رسالة عالمية ؟؟!!!

قال القران :

{ ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان امراً مقضياً } ( مريم :21).

وقال : { وجعلناها وابنها آية للعالمين } ( الانبياء :91).

———————–

ثالثا من كتب التاريخ

تاريخ ابن خلدون

ثم جاء المسيح صلوات الله وسلامه عليه بما جاءهم به من الدين والنسخ لبعض احكام التوراة وظهرت على يديه الخوارق العجيبة من ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى واجتمع عليه كثير من الناس وامنوا به واكثرهم الحواريون من اصحابه وكانوا اثني عشر وبعث منهم رسلاً الى الافاق داعين الى ملته وذلك ايام اوغسطس اول ملوك القياصرة وفي مدة هيرودس ملك اليهود الذي انتزع الملك من بني حشمناي اصهاره‏.‏ فحسده اليهود وكذبوه وكاتب هيرودس ملكهم ملك القياصرة اوغسطس يغريه به فاذن لهم في قتله ووقع ما تلاه القران من امره‏.‏ وافترق الحواريون شيعاً ودخل اكثرهم بلاد الروم داعين الى دين النصرانية‏. ‏ وكان بطرس كبيرهم فنزل برومة دار ملك القياصرة ثم كتبوا الانجيل الذي انزل على عيسى صلوات الله عليه في نسخ اربع على اختلاف رواياتهم‏:‏ فكتب متى انجيله في بيت المقدس بالعبرانية ونقله يوحنا بن زيدى منهم الى اللسان اللاطيني وكتب لوقا منهم انجيله باللطيني الى بعض اكابر الروم وكتب يوحنا بن زبدى منهم انجيله برومة وكتب بطرس انجيله باللطيني ونسبه الى مرقاص تلميذه‏.‏ واختلفت هذه النسخ الاربع من الانجيل مع انها ليست كلها وحياً صرفاً بل مشوبة بكلام عيسى عليه السلام وبكلام الحواريين وكلها مواعظ وقصص والاحكام فيها قليلة جداً‏.‏ واجتمع الحواريون الرسل لذلك العهد برومة ووضعوا قوانين الملة النصرانية وصيروها بيد اقليمنطس تلميذ بطرس وكتبوا فيها عدد الكتب التي يجب قبولها والعمل بها‏.‏

وكان بطرس الرسول رأس الحواريين وكبير التلاميذ برومة يقيم بها دين النصرانية الى ان قتله نيرون خامس القياصرة فيمن قتل من البطارق والاساقفة ثم قام بخلافته في كرسي رومة اريوس‏.‏ وكان مرقاس الانجيلي بالاسكندرية ومصر والمغرب داعياً سبع سنين فقام بعده حنانيا وتسمى بالبطرك وهو اول البطاركة فيها‏.‏ وجعل معه اثني عشر قساً على انه اذا مات البطرك يكون واحد من الاثني عشر مكانة ويختار من المؤمنين واحداً مكان ذلك الثاني عشر‏.‏

_____________________

فرسالة المسيح عالمية اوصلها تلاميذه ورسله الى اوربا .. فكيف يدعى المزورون بانها كانت قومية وحسب ؟؟!!

اما ما قاله المؤرخ الاسلامي الشهير المسعودي ففيه ما يؤيد هذه الحقيقة الجلية , اذ جاء في كتابه :

التنبيه والاشراف

ما يلي :

“وذكرنا أسماء الاثني عشر والسبعين تلاميذ المسيح وتفرقهم في البلاد وأخبارهم وما كان منهم ومواضع قبورهم ومن أصحاب الأناجيل الأربعة منهم يوحنا ومتى من الاثني عشر ولوقا ومرقس من السبعين وأن مرقس صاحب الإسكندرية ومن كان بعده من البطاركة على هذا الكرسي الحكام على سائر أصحاب الكراسي في كل ما يختلفون فيه والقضاة عليهم”

تفرقهم في البلاد !! .. 

لماذا يبشروا في البلاد , ان كانت دعوة سيدهم قومية لبني اسرائيل فقط ..؟؟؟؟!!!

وكما نقل اخي الحبيب شور قائلاً :

فالمسيح يتحدث بوضوح شديد عن ان الانجيل سينادى به للناس فى كل العالم (الحق اقول لكم حيثما يكرز بهذا الانجيل في كل العالم يخبر ايضا بما فعلته هذه تذكارا لها (مرقس 14 : 9)

وقال (فاذهبوا و تلمذوا جميع الامم و عمدوهم باسم الاب و الابن و الروح القدس (متى 28 : 19)

الم تسقط الان فرية اعداء بولس الرسول سقوطاً مدوياً ما بعده سقوط ..بعد استقراءنا الكتب الاسلامية وعلى راسها القران ؟؟؟!!

مع تحياتي وسلامي للجميع

اخوكم

البابلي الاشوري

———————–

تعليق Sure

ففكرة ان المسيحية كانت لجماعة معينة من الناس وليست لكل البشر فى كل العصور هى فكرة ساذجة تعبر عن اناس يحاولون بالعافية اثبات ان العالمية هى تخص دينهم وحدة حتى على حساب الكذب ولوى عنق الحقائق

فالمسيح يتحدث بوضوح شديد عن ان الانجيل سينادى به للناس فى كل العالم (الحق اقول لكم حيثما يكرز بهذا الانجيل في كل العالم يخبر ايضا بما فعلته هذه تذكارا لها (مرقس 14 : 9)

وقال (فاذهبوا و تلمذوا جميع الامم و عمدوهم باسم الاب و الابن و الروح القدس (متى 28 : 19)

ان المسيح مات من اجل كل البشر فى كل العصور (لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية (يوحنا 3 : 16) فلم يقدم الله كفارة عن أمة معينة فى وقت معين بل كفارة المسيح تشمل الجميع فى كل العصور

لذلك نرى بوضوح الامم المختلفة تدخل فى المسيحية وذلك فى سفر اعمال الرسل

——————-

تعليق عبد المسيح:

أسمح لي ان أضيف عليها من أحدى موضوعاتك القيمة جدا

وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ {13} إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ {14}

إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ

وَقَوْله تَعَالَى : ” إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اِثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا ” أَيْ بَادَرُوهُمَا بِالتَّكْذِيبِ ” فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ” أَيْ قَوَّيْنَاهُمَا وَشَدَدْنَا أَزْرهمَا بِرَسُولٍ ثَالِث . قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ وَهْب بْن سُلَيْمَان عَنْ شُعَيْب الْجِبَابِيّ قَالَ كَانَ اِسْم الرَّسُولَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ شَمْعُون وَيُوحَنَّا وَاسْم الثَّالِث بولُص وَالْقَرْيَة أَنْطَاكِيَّة ” فَقَالُوا ” أَيْ لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَة ” إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ” أَيْ مِنْ رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ يَأْمُركُمْ بِعِبَادَتِهِ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَزَعَمَ قَتَادَة أَنَّهُمْ كَانُوا رُسُل الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أَهْل أَنْطَاكِيَّة .

تفسير ابن كثير

الواضح أن رسل السيد المسيح قد وصلوا الى أنطاكية مما يؤكد عالمية رسالة السيد المسيح

لي سؤالين لأصدقائنا المسلمين أتمنى منهم الأجابة عليه و لو أني أرى أن أغلبهم قد هجر المنتدى

ربما لسلوك البعض في السخرية و هو بلاشك أسلوب نرفضه جميعا , السؤال هو .

1 – طالما أن رسالة السيد المسيح كانت للناس كافة و ليس لقومه فقط و طالما أثبتت كافة التفاسير أن رسله أتجهوا لأرجاء مختلفة من العالم فما الحاجة للاسلام أذا ؟؟؟؟؟؟

2 – الواضح من التفاسير و الأحاديث و من التاريخ أيضا أن رسل السيد المسيح كان يبشرون بالسلم دون أستحدام للقوة أو للجيوش البشرية فلماذا أذا أستخدم رسول الاسلام الجيوش لنشر دعوته ؟؟؟؟؟؟؟ هل كان عيسى مستندا على قوة الله و محمد لا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ولك السلام و التحية

عبد المسيح

 

Posted in لاهوت دفاعي -عام, عقيدة مسيحية | Leave a Comment »

بولس الرسول عبد يسوع المسيح الاله

Posted by mechristian في أوت 11, 2007

 

الأخ عماد

كتب بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية ( روما ) يقول ” من بولس عبد ليسوع المسيح , المدعو رسولا المفرز لانجيل الله ” ( رو 1 :1 )

وهنا بولس الرسول العظيم اليهودي الجنس يؤمن بأنه عبد ليسوع المسيح الإله

و نظرا لان بولس الرسول شخصية عظيمة جدا في المسيحية علي الرغم انه لم يكن من بين التلاميذ والرسل الاثني عشر الذين دعاهم المسيح له المجد , فانه قد صار للمسيح رسولا وتلميذا له بعد صعوده له المجد إلى السماء , فقد ظهر له بذاته في نور عظيم أبهى من لمعان الشمس ( اع 26 : 13 ) وقال له قم وقف علي رجليك , سأنقذك من شعب اليهود ومن الأمم الغير اليهودية التي سأرسلك أنا إليهم , لتفتح عيونهم , فيرجعوا من الظلمات إلى النور , ومن سلطان الشيطان إلى الله , حتى ينالوا بالإيمان بي , غفران خطاياهم , ونصيبا مع المقدسين ” ( اع 26 : 16- 18 ) ,

وقال السيد المسيح لحنانيا (أحد الرسل السبعين الذين اختارهم الرب يسوع أثناء وجوده بالجسد علي الأرض ) بان يذهب ويعمده ( يجعله من شعبه ) قائلا :

” اذهب فان هذا لي إناء مختار , ليحمل اسمي أمام الأمم( الغير يهودية) وملوك وبني إسرائيل , فاني سأريه كم ينبغي أن يتألم من اجل اسمي “( اع 9 :15- 16 )

ولما عمده حنانيا نقل إليه رسالة السيد المسيح , ولهذا صار القديس بولس بحق رسولا للمسيح , فقد صار يلقب بالرسول الثالث عشر , وكان يفتتح رسائله مبينا هويته كرسول للمسيح ” بولس رسول المسيح يسوع بأمر الله مخلصنا وربنا يسوع المسيح رجائنا ” ( اتي 1: 1 ) , وفي رسالته الثانية إلى تلميذه تيموثاوس قال ” من بولس رسول المسيح يسوع بمشيئة الله ” (2تي 1: 1 )

فرغم أن بولس الرسول تبع السيد المسيح متأخرا جدا , لكنه بذل من الجهد والتعب والنشاط ما جعله يتفوق علي آخرين من بين الرسل الاثني عشر

ولذلك سأفرد لبولس الرسول العظيم موضوع خاص , يحكي قصة هذا الرسول العظيم , لأنني وجدت وأنا أتصفح هذا المنتدى أن بولس الرسول هو الشوكة التي في حلق كل مسلم.. ولا ادري لماذا ؟

نعم لقد تعبت في كتابة هذا البحث اكثر من 8 ساعات وأنا اكتب فيه , ولكن هذا لا يساوي دقيقة واحدة بذلها هذا الرسول العظيم في الخدمة , واقدم هذا البحث لكل إنسان يريد أن يعرف من هو بولس الرسول العظيم في الرسل وتلميذ المسيح الحي .

أنا اعلم انه مكروه من كل مسلم دون حتى أن يعرفوه , ودون أن يقرءوا عنه , ويتكلمون عليه كثيرا بكلام اقل ما يوصف انه كلام سخيف ينم عن الكره لهذا الرسول العظيم لمجرد الكره ليس اكثر .

ربما لان بولس تعب في نشر الدين المسيحي اكثر من جميع الرسل فهو لذلك مكروه للمسلم ( احتمال )

وهنا يذكرني كلامك بالمثل القائل عندما لم يقدر علي الأستاذ ( المسيح ) , اتجه إلى التلميذ ( بولس ), ولكن هيهات فتلميذ المسيح يمثل المسيح واخذ سلطان من المسيح وكرامة التلميذ من كرامة الأستاذ , ورأينا ذلك واضحا في موضوع الساحر اليهودي باريشوع الذي تحداه , فماذا كان مصيره ؟ العمي وفقدان البصر

ولكن من هو بولس الرسول العظيم في الرسل ؟

أقرأ باقي الموضوع »

Posted in لاهوت دفاعي -عام, بولس الرسول | Leave a Comment »

هل شرّع الإسلام الختان ..؟! ( محمد وبولس في الميزان ) – جون يونان

Posted by mechristian في أوت 11, 2007

 

سلام المسيح رب المجد

نبدأ بنعمة الرب موضوعنا بسؤال :

هل شرع الاسلام الختان ؟!

بمعنى : هل الختان في الاسلام فريضة على المسلم ..؟!!

سبب طرقنا هذا الموضوع .. جاء رداً على اتهامات المسلمين ونقدهم ضد الرسول بولس .

فمن الطعونات الزائفة المرتعشة التي يثيرها المعترضون على دين المسيح .. للنيل من المسيحية .. هي المتعلقة بشخص الرسول الكريم بولس ..

ومن ضمن تلك الطعونات الهزيلة .. واحدة اشدها هزلاً .. والمتعلقة بالختان ..!

اذ يثيرون الغبار بسبب مسألة الختان ويزعمون بان الرسول العظيم بولس قد ” نسخ ” الختان والغاه ..

وهي تهمة دحضها عليهم علماءنا بتفاصيل وبراهين قواطع ..!

ولانهم يكيلون بمكيالين عادة ..

فاردنا ان نسلط الضوء على ما عندهم هم اولاً ولنثبت لهم ان بيتهم من زجاج.. لكي يتحرجوا ويتورعوا من القاء الحجارة على غيرهم ..!

فان من يعيبون على الرسول بولس الغائه لختان – مع كونه لم يلغيه انما اخرجه من كونه رمزاً الى حقيقته – هم انفسهم وفي دينهم لن نجد الختان عندهم بمعنى الفريضة والشرع !

فاذا كان الرسول بولس هو من الغى الختان .. بمعناه عندهم ( حرفه من الانجيل )

ومن المسيحية ..

فمن الطبيعي جداً .. لا بل من الضروري ان يركز محمد على هذا التحريف ويقوم بفضحه .. وان يعيد الامور الى نصابها .. ويصحح ما افسده تحريف بولس – بزعمهم – ولكن هل فعل هذا ؟

او على الاقل هل شرع محمد الختان لاتباعه ..؟

هل شرع رب محمد الختان على المسلمين ؟

ولنبدأ بالترتيب ..

أقرأ باقي الموضوع »

Posted in لاهوت دفاعي -عام, محمديات, بولس الرسول | Leave a Comment »

مدخل إلى العقيدة المسيحية-المجئ الثاني والحياة الأبدية

Posted by mechristian في أوت 11, 2007

 

مدخل إلى العقيدة المسيحية

د.كوستى بندلى ومجموعة من المؤلفين

الفصل العاشر: المجيء الثاني والحياة الأبدية

الفصل العاشر: المجئ الثانى والحياة الأبدية.

تمهيد:

1 – المجئ الثانى للمسيح:

أ – يسوع نفسه :‏

ب – الأحداث التى تشير إلى المجئ الثانى:‏

ج – اليقظة والسهر:

د – صلاة يسوع:‏

2 – نهاية العالم” الأرض الجديدة”‏

أ – فى العهد القديم:‏

ب – فى العهد الجديد:‏

ج – الأرض الجديدة:‏

3 – الموت‏

أ – فى المزامير وعند الأنبياء:

ب – موت الأبرار فى سفر الحكمة:

ج – الحياة الأبدية فى العهد الجديد:‏

د – ماذا عن الذين لم يعرفوا يسوع ولم يقبلوه؟:‏

ه – صلاة:‏

4 – قيامة الموتى والحياة الأبدية:

أ – فى العهد القديم :‏

ب – فى العهد الجديد:

5 – تجلى الجسد

أ – الحوار مع موتوفيلوف:‏

ب – مغزى الحادثة:

ج – الجسد واسطة لتمجيد الله:

د – مجد القيامة الأخير:‏

ه – بدء جيل المستقبل:

و تجلى العالم :‏

6 –  الدينونة

أ – عدل الله وحكمه :‏

ب – المسيح هو الديان :‏

ج – شرط الدينونة:‏

7 – الصلاة من أجل الموتى

صلاة البار وشركة القديسين :‏


 

الفصل العاشر

اَلْمَجِئ اَلثَانِى وَالْحَيَاةُ اَلأبَدِيَّة

” ..وأيضًا يأتى فى مجده ليدين الأحياء والأموات… الذى ليس لملكه إنقضاء…وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى . آمين…”

تمهيد

عندما يفكّر المرء بآخر الأزمنة، تراوده فورًا مشكلة مصيره الشخصى، ويطرح على نفسه السؤال:

ماذا سيحدث بى بعد الموت؟…

هذا التساؤل ناتج عن جعل الإنسان نفسه محورًا للعالم…

غير أن الإعلان الإلهى والتقليد الكنسى يعلّمان أن ” الأنا” ليست محور العالم، وأن محور العالم هو ذاك الذى قال :

” أنا الألف والياء، البداية والنهاية”…

لذلك فالسؤال الصحيح الذى يجب أن يُطرح هو:

ماذا سيحدث عند مجئ المسيح الثانى؟…

 

الكنيسة تعيش على إنتظار هذا المجئ، إذ حينئذ فقط يصير المسيح ” الكلّ فى الكلّ” وتتم عملية الخلاص وإفتقاد الله للبشر…

 

فى هذا الفصل سنبحث كل جوانب هذا السر محاولين، قدر المستطاع بنعمة الرب يسوع، الولوج فى أعماقه…

 


 

1 –

المجئ الثانى للمسيح

 

أ – يسوع نفسه :

أثناء بشرته على الأرض، أعلن عن مجيئه الثانى فقال:

[ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا ] [ متى 24: 30، 31 ]…

و[ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ  فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ  ] [ مرقس 13: 26، 27 ]…

و[ وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ ] [ لوقا 21: 27 ]…

 

وقد ذكّرنا الرسول بولس بأقوال السيد هذه فى أول رسالة كتبها من كورونثوس إلى أهل تسالونيكى:

[ فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ.  لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً ] [ 1 تسالونيكى 4: 15، 16 ]…


 

 

ب – الأحداث التى تشير إلى المجئ الثانى:

لم يُعلن يسوع موعد مجيئه الثانى، لا بل أكّد على أن ذلك الموعد لا يعرفه أحد سوى الله، ولكنه أشار إلى أحداث تسبق ذلك الموعد…

1 دمار الهيكل ومدينة أورشليم:

[  فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ هَهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ! ] [ متى 24 : 2 ]…

و[ وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ فَحِينَئِذٍ اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ خَرَابُهَا. حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ وَالَّذِينَ فِي وَسَطِهَا فَلْيَفِرُّوا خَارِجاً وَالَّذِينَ فِي الْكُوَرِ فَلاَ يَدْخُلُوهَا لأَنَّ هَذِهِ أَيَّامُ انْتِقَامٍ لِيَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ. وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لأَنَّهُ يَكُونُ ضِيقٌ عَظِيمٌ عَلَى الأَرْضِ وَسُخْطٌ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. وَيَقَعُونَ بِالسَّيْفِ وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ ] [ لوقا 21: 20 – 24 ]…

 

2 – ظهور الأنبياء الكذبة:

[ فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ… وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ] [ متى 24: 5، 11]…

و[ فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ. وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ ] [ مرقس 13: 6 ]…

و[ اُنْظُرُوا! لاَ تَضِلُّوا. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ وَالزَّمَانُ قَدْ قَرُبَ. فَلاَ تَذْهَبُوا وَرَاءَهُمْ ] [ لوقا 21: 8 ]…

 

3 – الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية:

[ وسَوَفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبِ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلٌّهَا. وَلَكِنْ لَيْسً اَلْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةً عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٍ عَلَى مَمْلَكَةٍ وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٍ وَزَلازِلُ فِى أَمَاكِنَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ ] [ متى 24: 6 – 8 ]…

و[  فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا لأَنَّهَا لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ وَلَكِنْ لَيْسَ اَلْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاِضْطِرَابَاتٌ. هَذِهِ مُبْتَدَأُ اَلأَوْجَاعِ  ] [ مرقس 13: 7، 8 ]…

و[  فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَقَلاَقِلٍ فَلاَ تَجْزَعُوا لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَوَّلاً وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ الْمُنْتَهَى سَرِيعاً }. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: { تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ  وَتَكُونُ زَلاَزِلُ عَظِيمَةٌ فِي أَمَاكِنَ وَمَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ. وَتَكُونُ مَخَاوِفُ وَعَلاَمَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ] [ لوقا 21: 9 – 11 ]…

 

4 – إضطهاد المسيحيين من أجل المسيح:

[ حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيقٍ وَيَقْتُلُونَكُمْ وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ] [ متى 24: 9، 10 ]…

و[ فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً ] [ مرقس 13: 9 ]…

و[ فَضَعُوا فِي قُلُوبِكُمْ أَنْ لاَ تَهْتَمُّوا مِنْ قَبْلُ لِكَيْ تَحْتَجُّوا لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَماً وَحِكْمَةً لاَ يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهَ ويُنَاقِضُوهَا. وَسَوْفَ تُسَلَّمُونَ مِنَ الْوَالِدِينَ وَالإِخْوَةِ وَالأَقْرِبَاءِ وَالأَصْدِقَاءِ وَيَقْتُلُونَ مِنْكُمْ. وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلَكِنَّ شَعْرَةً مِنْ رُؤُوسِكُمْ لاَ تَهْلِكُ. بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ  ] [ لوقا 21: 14 – 19 ]…

 

5 – فقدان المحبة والإيمان وطغيان الإثم:

[ وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ ] [ متى 24: 12 ]…

[ وَسَيُسْلِمُ اَلأَخُ أَخَاهُ إِلَى اَلْمَوْتِ وَاَلأَبُ وَلَدَهُ وَيَقُومُ اَلأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ ] [ مرقس 13: 12 ]…

و[  وَلَكِنِ اِعْلَمْ هَذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ اَلنَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضىً، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي اَلنَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ لِلَّهِ، لَهُمْ صُورَةُ اَلتَّقْوَى وَلَكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هَؤُلاَءِ ] [ 2 تيموثاوس 3: 1 – 5 ]…

 

6 – إنتشار الإنجيل فى كلّ العالم:

[ وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هَذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى  ] [ متى 24: 14 ]…

و[ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ ] [ متى 28: 19، 20 ]…

و[ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ اَلأُمَمِ ] [ مرقس 13: 10 ]…

 

7 – ظهور المسيح الدجال:

[ فَمَتَى نَظَرْتُمْ ( رِجْسَةَ الْخَرَابِ ) الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ – لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ – فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ ] [ متى 24: 15، 16 ]…

و[ فَمَتَى نَظَرْتُمْ ( رِجْسَةَ اَلْخَرَابِ) اَلَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ اَلنَّبِيُّ قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي – لِيَفْهَمِ اَلْقَارِئُ – فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ اَلَّذِينَ فِي اَلْيَهُودِيَّةِ إِلَى اَلْجِبَالِ. وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلَكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ قَصَّرَ اَلأَيَّامَ  ] [ مرقس 13: 14، 20 ]…

و[ وَلَكِنَّ اَلرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً: إِنَّهُ فِي اَلأَزْمِنَةِ اَلأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ اَلإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحاً مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، فِي رِيَاءِ أَقْوَالٍ كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ  ] [ 1 تيموثاوس 4: 1، 2 ]…

و[  لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ الاِرْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلَه ومَعْبُوداً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلَهٍ مُظْهِراً نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلَهٌ. أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هَذَا؟ وَالآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ. لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ، وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ الأَثِيمُ، الَّذِي الرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ. الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا ] [ 2 تسالونيكى 2: 3 – 10 ]…

و[ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اعْلَمُوا أَنَّنَا نَعِيشُ الآنَ فِي الزَّمَنِ الأَخِيرِ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي أَخِيراً «مَسِيحٌ دَجَّالٌ»، فَقَدْ ظَهَرَ حَتَّى الآنَ كَثِيرُونَ مِنَ الدَّجَّالِينَ الْمُقَاوِمِينَ لِلْمَسِيحِ. مِنْ هُنَا نَتَأَكَّدُ أَنَّنَا نَعِيشُ فِي الزَّمَنِ الأَخِيرِ … وَكُلُّ مَنْ يُنْكِرُ الابْنَ، لاَ يَكُونُ الآبُ أَيْضاً مِنْ نَصِيبِهِ. وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِالابْنِ، فَلَهُ الآبُ أَيْضاً ] [ 1 يوحنا 2: 18، 22]…

و[ وَإِنْ كَانَ يُنْكِرُ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، بَلْ مِنْ عِنْدِ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي، وَهُوَ الآنَ مَوْجُودٌ فِي الْعَالَمِ ]

[ 1 يوحنا 4: 3 ]…

و[ لأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ إِلَى اَلْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ اَلْمسِيحِ آتِياً فِي اَلْجَسَدِ. هَذَا هُوَ اَلْمُضِلُّ، وَاَلضِّدُّ لِلْمَسِيحِ  ]

[ 2 يوحنا 7 ]…


 

ج – اليقظة والسهر:

العديد من الأحداث التى ذكرناها حصل بالفعل، ومنها ما يحصل الآن…

وهذا ما يحدو بالمؤمن أن يأخذ القضية بكثير من الجدية وأن يعتبر ما حصل ويحصل إشارات لإقتراب موعد الملكوت، وأن يستعد لذلك…

كيف يستعد؟…

بالسهر والصلاة…

هكذا أراد يسوع:

[ لِذَلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مُسْتَعِدِّينَ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟ ] [ متى 24: 44، 45 ]…

و[ وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اَللَّيْلِ، يَوْمُ اَلرَّبِّ، اَلَّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 10 ]…

 

وما مثل العذارى العاقلات [ متى 25: 1 – 13 ] إلا ليعلمنا يسوع بكل وضوح ضرورة السهر المستمر واليقظة الدائمة فى كل حياة روحية تَنْهدُ إلى الأصالة…

وأكّد على ذلك فى مثل الخادم الأمين الذى عاد سيده فوجده ساهرًا…

كلّ منّا مدعو لأن يكون إحدى العذارى العاقلات وذلك الخادم الأمين…

فبدون حياة روحية واعية تفتش عن المسيح فى كلّ مواضع سُكْناه وتسعى إلى العيش باستمرار فى ذكرى الله، وتعى أننا موجودون دوما فى حضرة الله تعالى، لا توجد أية حياة مسيحية حقيقية…

 


د – صلاة يسوع:

يقول الرسول بولس:

[  صَلُّوا بِلاَ اِنْقِطَاعٍ ] [ 1 تسالونيكى 5: 17 ]…

وكأنه بذلك يدلّنا على الطريق لإستجابة طلب السيد: ” إسهروا”…

والتقليد الأرثوذكسى يربط بين اليقظة والصلاة المستديمة…

هذا التقليد، الذى لا يزال حيًا فى عالمنا اليوم، يدعو على تلاوة مستمرة لما يُسمّى ب ” صلاة يسوع” فى شكلها التالى:

[ يا يسوع ابن الله الحى إرحمنى أنا الخاطئ ]

 

هذه الصلاة يمكن أن يمارسها المؤمن فى كل مكان…

وبإشراف أب روحى ذى خبرة تنقلب الصلاة من حركات الشفاه إلى صلاة قلبية يرددها القلب دون إنقطاع وأثناء أى عمل يقوم به الإنسان…

 

ونرى فى كتاب ” سائح روسى على دروب الرب” كيف أن أبسط الناس يمكنهم التدرّب على هذه الصلاة والدخول فى حضرة الله فيزداد شوقهم إلى لقياه ويترقبون بفرح مجيئه الثانى:

[ آمينَ. تَعَالَ أَيُّهَا اَلرَّبُّ يَسُوعُ ] [ رؤيا 22: 20 ]…

 


 

2 – نهاية العالم” الأرض الجديدة

يعلمنا الكتاب المقدس، فى عهديه القديم والجديد، أن للعالم بداية ونهاية…

وها هى بعض النصوص الأكثر أهمية المتعلقة بذلك:

 

أ – فى العهد القديم:

[ منْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ اَلأَرْضَ وَاَلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى ‏وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ يَسْكُنُونَ وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ ] [ مزمور 102: 25 – 28 ]…

 

[ اِرْفَعُوا إِلَى اَلسَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ وَاُنْظُرُوا إِلَى اَلأَرْضِ مِنْ تَحْتٍ. فَإِنَّ ‏اَلسَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ وَاَلأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى وَسُكَّانَهَا ‏كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى اَلأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ ] [ أشعياء 51: 6 ]…

 

[ اِنْسَحَقَتِ اَلأَرْضُ اِنْسِحَاقاً. تَشَقَّقَتِ اَلأَرْضُ تَشَقُّقاً. تَزَعْزَعَتِ ‏اَلأَرْضُ تَزَعْزُعاً. تَرَنَّحَتِ اَلأَرْضُ تَرَنُّحاً كَالسَّكْرَانِ وَتَدَلْدَلَتْ ‏كَالْعِرْزَالِ وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ. وَيَكُونُ فِي ‏ذَلِكَ اَلْيَوْمِ أَنَّ اَلرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ اَلْعَلاَءِ فِي اَلْعَلاَءِ وَمُلُوكَ اَلأَرْضِ ‏عَلَى اَلأَرْضِ. وَيُجْمَعُونَ جَمْعاً كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ ‏فِي حَبْسٍ. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ. وَيَخْجَلُ اَلْقَمَرُ وَتُخْزَى ‏اَلشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ اَلْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. ‏وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ ] [ أشعياء 24: 19 – 23 ]…

 

[ قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ اَلأَرْضُ وَتَرْجُفُ اَلسَّمَاءُ. اََلشَّمْسُ وَاَلْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَاَلنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا ] [ يوئيل 2: 10، 3: 15 ]…


 

ب – فى العهد الجديد:

[ وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ ] [ متى 24: 29 ]…

[ وَأَمَّا فِي تِلْكَ اَلأَيَّامِ بَعْدَ ذَلِكَ اَلضّيقِ فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ وَاَلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ  وَنُجُومُ اَلسَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ وَاَلْقُوَّاتُ اَلَّتِي فِي اَلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ.  وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ  ] [ مرقس 13: 24 – 27 ]…

 

[ وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هَذِهِ تَكُونُ فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ   ] [ لوقا 21: 25 – 28 ]…

 

[ وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ… اَلّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّماوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 7، 10 ]…

 

[ ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!… ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ اَلسَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَاَلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ ] [ رؤيا 20: 11، 21: 1 ]…


 

ج – الأرض الجديدة:

كل النصوص التى ذكرناها تعطينا صورة رهيبة لنهاية العالم…

وأمّا الحروب والكوارث الطبيعية، وإمكانات التدمير الحديثة، من أسلحة نووية على أسلحة كيماوية وبيولوجية، فبإمكانها تقريب الصورة عن تلك النهاية وجعل تصوّرها سهلاً علينا…

 

ولكن علينا أن ننظر إلى الحدث بعينى الإيمان لا بالعين المجرّدة، لا سيما وأنه لا بدّ من زوال العالم القديم ليحلّ عالم جديد دشنه المسيح فى مجيئه الأول وسيكمله فى مجيئه الثانى…

 

إن يوم نهاية العالم سيكون رهيبًا للأشرار:

[ فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَاَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ ] [ 2بطرس 3: 11، 12 ]…

ولكنه للمؤمنين يوم مجد…

هذا اليوم هو المنتظر لأن فيه:

[ وَبَعْدَ ذَلِكَ النِّهَايَةُ مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ لِلَّهِ الآبِ مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ ] [ 1 كورونثوس 15: 24 ]…

وفيه يتحقق العالم الجديد الذى تنبّأ عنه أشعياء، إذ قال:

[ لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً فَلاَ تُذْكَر الأُولى وَلاَ ‏تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ ] [ أشعياء 65: 17 ]…

ويقول لنا بطرس الرسول بشأن هذا اليوم فى رسالته الثانية:

[ وَلَكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا اَلْبِرُّ ] [ 2بطرس 3 : 13 ]…

وأمّا يوحنا فيذكر فى رؤياه ” ثم رأيت سماء جديدة وأرض جديدة”، ويروى لنا قول السيد:

[  وَقَالَ اَلْجَالِسُ عَلَى اَلْعَرْشِ: هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً ] [ رؤيا 21: 5 ]…

 

إذًا، آخر الأزمنة ليس مدعاة للخوف، فهو النهار الذى يلى الظلمة…

ونحن بالمعمودية دخلنا العالم الجديد الآتى:

[  إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي اَلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. اَلأَشْيَاءُ اَلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا اَلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً ] [ 2 كورونثوس 5: 17 ]…

وولدنا ثانية لله وأصبحنا خليقة جديدة…

وكما يقول الرسول بولس:

[ لأَنَّكُمْ قَدْ متُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ. مَتَى اُظْهِرَ اَلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي اَلْمَجْدِ ] [ كولوسى 3 : 3، 4]…

 

وكما سنرى فيما بعد، عند مجئ يسوع المسيح الثانى، يقوم الموتى بأجسادهم للحياة الأبدية…

 


 

3 –

الموت

ما هو الموت، وبالتالى من هم الأموات؟…

هذا السؤال أساسى جدًا فىحياتنا ولا بدّ من طرحه الآن…

الجواب المباشر يعطينا إيّاه النبى داود:

[ تَحْجُبُ وَجهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ. تُرْسِلُ ‏رُوحَكَ فَتُخْلقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ اَلأَرْضِ‏ ] [ المزمور104: 29، 30 ]…

 

الحياة هبة من الله…

وكما رأينا فى الفصل الثالث الخاص بخلق الإنسان وسقوطه، فالموت ضد الطبيعة الإنسانية الأصلية:

[  فَإِنَّ الله خَلقَ اَلإِنْسَانَ خَالِدً وصَنَعَهُ عَلَى صُورَةِ ذَاتِهِ ] [ حكمة 2: 23 ]…

وكذلك:

[ إِذْ لَيْسَ اَلمَوْتَ مِنْ صُنْعِ الله ولا هَلاكُ اَلأحْيَاء يَسُرَّه ] [ حكمة 1: 13 ]…

 

فالموت، إذًا، نتيجة الخطيئة:

[ لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اَللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا… مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اِجْتَازَ اَلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ اَلنَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ اَلْجَمِيعُ ] [ رومية 6: 23 و5: 12 ]…

دخل العالم بواسطة الإنسان يوم لبَّى دعوة الشيطان الذى لديه قدرة الموت [ عبرانيين 2: 14 ]، من أجل الإبتعاد عن مصدر الحياة…

 

والآن حرىّ بنا أن نطرح سؤالاً ثانيا:

ما هو مصيرنا بعد الموت ودفن الجسد على رجاء القيامة العامة؟…

 

لنمعن النظر جيدًا بالنصوص الكتابية لعلنا نلقى بعض النور على هذه المشكلة…

 

أ – فى المزامير وعند الأنبياء:

الموت، فى المزامير وعند الأنبياء، يوصف بأنه ” أرض سكوت”، ” عدم ذكر الله”، ” أرض النسيان”، ” التراب”، ” الحفرة”، ” الجب” وكذلك ” الهاوية”… 

[ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي اَلْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي اَلْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟  ] [ مزمور 6: 5 ]…

[ مَا اَلْفَائِدَةُ مِنْ دَمِي إِذَا نَزَلْتُ إِلَى اَلْحُفْرَةِ؟ هَلْ يَحْمَدُكَ اَلتُّرَابُ؟ هَلْ يُخْبِرُ بِحَقِّكَ؟ ] [ مزمور 30: 9 ]…

[ أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ أَمِ اَلأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ؟ سِلاَهْ. هَلْ ‏يُحَدَّثُ فِي اَلْقَبْرِ بِرَحْمَتِكَ وبِحَقِّكَ فِي اَلْهَلاَكِ؟ هَلْ تُعْرَفُ فِي اَلظُّلْمَةِ ‏عَجَائِبُكَ وَبِرُّكَ فِي أَرْضِ اَلنِّسْيَانِ؟‏ ] [ مزمور 88: 10 – 12 ]…

[ لَيْسَ اَلأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ اَلرَّبَّ وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ اَلسُّكُوتِ ] [ مزمور 115 : 17 ]…

[ لأَنَّ اَلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. اَلْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو اَلْهَابِطُونَ إِلَى ‏اَلْجُبِّ أَمَانَتَكَ  ] [ أشعياء 38: 18 ]…

 

معظم النصوص تُظهر الموت وكأنه مكان الهلاك، مكان السكوت والنسيان، وبالتالى، وكأن الأموات ” ينامون”…

بيد أن بعض النصوص تلقى على هذا النوم بصيصا من الأمل كالمزمور الذى استشهد به بطرس الرسول فى سفر الأعمال:

[ لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضاً سَيَسْكُنُ عَلَى ‏رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى ‏فَسَاداً. عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ‏ ] [ أعمل الرسل 2: 26 – 28 ]…

ونجد ذلك أيضًا فى سفر أشعياء:

[ تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ اَلْجُثَثُ. اِسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ اَلتُّرَابِ. ‏لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَاَلأَرْضُ تُسْقِطُ اَلأَخْيِلَةَ ] [ أشعياء 26: 19 ]…

وسفر أيوب:

[ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ . وبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ  ] [ أيوب 19: 25، 26 ]…

وبصورة خاصة فى سفر حزقيال:

[ فَقَالَ لِي: تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ ‏اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى ‏لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا ‏عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ قَالَ لِي:  يَا اِبْنَ آدَمَ، ‏هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ ‏عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: ‏هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ وأُصْعِدُكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ‏اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ ‏أَنِّي أنَا اَلربُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 9 – 14 ]…

وفى سفر دانيال:

[ وَكَثِيرُونَ مِنَ اَلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ اَلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إِلَى ‏اَلْحَيَاةِ اَلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى اَلْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ اَلأَبَدِيِّ ] [ دانيال 12: 2 ]…

حيث يبرز نوع من المقارنة بين ” نوم” الموت و” صحو” القيامة المرتقبة…

 

 

ب – موت الأبرار فى سفر الحكمة:

فى أسفار العهد القديم المتأخرة التى كتبت باليونانية فى مصر خلال ال 150 سنة السابقة لميلاد المسيح، خاصة فى سفرى الحكمة والمكابيين الثانى، يُبرز مظهر جديد لما سيحدث بعد الموت…

فيدخل سفر الحكمة فى التفاصيل إذ يبدأ مرحلة التفريق بين نوعين من الأموات، ويؤكّد أن الأبرار منهم لا يموتون إلا ” ظاهريا”…

ولأن حياتهم هى فى يدّ الله فإنهم يعيشون إلى الأبد…

 

[ أمََّا اَلْصِدَّيقُ فَإِنَّه وإنْ تَعَجَّلَهُ اَلمَوْتَ يَسْتَقِرَّ فِي اَلرَاحَةِ ] [ حكمة 4: 7 ]…

 

[ أَمَّا نُفُوسَ اَلصِدِّيقِين فَهِي بِيَدِ الله فَلا يَمُسّّهَا اَلْعَذَاب. وفِي ظَنْ اَلجُهَّالِ أَنَّهُمْ مَاتُو و قَدْ حُسِبَ خُرُوجُهُمْ شَقَاءً. وذِهَابُهم عَنا عطَبًا أمَّا هُمْ فَفِي اَلْسَلامِ. ومَعَ أنَّهُم قَدْ عُوقِبُوا فِي عُيُونِ اَلْنَاسِ فَرَجَاؤُهُم مَمْلُوءٌ خُلُودًا. وبَعْد تَأدِيبٍ يَسِيرٍ لَهُمْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ لأنَّ الله إِمْتَحَنَهُمْ فَوَجَدَهُم أَهْلاً لَهُ.  مَحَّصّهُم كّالذّهَبِ فِي البّوْتَقَةِ وقَبِلَهُم كَذَبِيحَةٍ مُحْرَقَةٍ. فَهُمْ فِي وَقْتِ اِفْتِقَادِهِم يَتَلألأون ويَسْعُون سَعْيَ اَلشَرَارِ بَيْنَ اَلقَصَبِ. ويَدِينُونَ اَلأمَمِّ ويَتَسَلَّطُون عَلَى اَلشِعُوبِ ويَمْلُك رَبُّهُم إِلَى اَلأبَدِ. اَلمُتَوَكّلُون عَلَيْهِ سَيَفْهَمُون اَلحَقّ والأُمَنَاءِ فِي اَلمَحَبّةِ سَيُلازِمُونَه لأنَّ اَلنِعْمَة واَلرَحْمَةَ لِمُخْتَارِيه ] [ حكمة 3: 1 – 9 ]…

ويضيف:

[ لأنَّ رَجَاء اّلمُنَافِق كَغُبارِ تَذْهَبْ بِهِ اَلرِيحُ وَكَزَبَدِ رَقِيقٍ تُطَارِدَه اَلزَوْبَعَة وكَدُخَّانٍ تُبَدِّدَهُ اَلرِيحُ وَكَذِكَرٍ ضَيْفٍ نَزَلَ يَوْمًا ثُمّ إِرْتَحَلَ. أمّا اَلصِدّيقُون فَسَيَحْيُون إلَى الأبَدِ وَعِنَد اَلَربِّ ثَوَابُهُم و لَهُم عِنَايَة مِنْ لُدُنِ اَلعَلِيّ ] [ حكمة 5: 15، 16 ]…

 

ج – الحياة الأبدية فى العهد الجديد:

هذا الرجاء بالحياة الأبدية، الذى بدأ بالظهور فى العهد القديم، توطد وغدا أكيدًا عند مجئ السيد المسيح الذى هو أيضًا حياة العالم…

فى إنجيل [ يوحنا10: 27، 28 ]، يقول يسوع مستخدما عبارة ” يد الله” الكتابية:

[ خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي ] ….

ويؤكد قيامة المؤمنين حين يقول:

[ لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اَلّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الاِبْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي اَلْيَوْمِ الأَخِيرِ ] [ يوحنا 6: 40 ]…

و[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ] [ يوحنا 6: 47 ]…

و[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كلاَمِي فَلَنْ يَرَى اَلْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ ] [ يوحنا 8: 51 ]…

ويلفتنا بشكل خاص قوله:

[ قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا هُوَ اَلْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ ] [ يوحنا 11: 25، 26 ]…

 

هذه النصوص كلّها تؤكد ما يلى:

 أن حياة الإنسان تستمر بعد الموت بقدر ما هى مرتبطة بالله. لذلك يقول لنا السيد فى الإنجيل:

[ وَلاَ تَخَافُوا مِنَ اَلَّذِينَ يَقْتُلُونَ اَلْجَسَدَ وَلَكِنَّ اَلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ اَلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ اَلنَّفْسَ وَاَلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. ] [ متى 10: 28 ]…

 

 الموت يحدث من جرّاء غياب الله. وحيث يوجد الله لا يوجد الموت. لذلك، فالنفس العطشى إلى الله تسعى دائما إلى العيش فى حضرته لا تموت لأن توْقها إلى الله يحفظها حية…

 

 الذى يعيش على هذه الأرض فى المسيح يستمر على هذه الحياة بعد موته. هذا ما يؤكده بقوة الرسول بولس إذ يقول:

[ لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اّلْلَّهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ. فَإِنَّنَا فِي هَذِهِ أَيْضاً نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا اَلَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً. فَإِنَّنَا نَحْنُ اَلَّذِينَ فِي اَلْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ اَلْمَائِتُ مِنَ اَلْحَيَاةِ. وَلَكِنَّ اَلَّذِي صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ هُوَ اَلْلَّهُ، اَلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً عَرْبُونَ الرُّوحِ. فَإِذاً نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي اَلْجسَدِ فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ اَلرَّبِّ. لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ اَلْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ اَلرَّبِّ ] [ 2 كورونثوس 5: 1 – 8 ]…

 

وجاء أيضًا قوله:

[ حَسَبَ اِنْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْزَى فِي شَيْءٍ، بَلْ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ كَمَا فِي كُلِّ حِينٍ، كَذَلِكَ اَلآنَ، يَتَعَظَّمُ اَلْمَسِيحُ فِي جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ. لأَنَّ لِيَ اَلْحَيَاةَ هِيَ اَلْمَسِيحُ وَاَلْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَتِ اَلْحَيَاةُ فِي اَلْجَسَدِ هِيَ لِي ثَمَرُ عَمَلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي! فَإِنِّي مَحصُورٌ مِنْ اَلاِثْنَيْنِ: ليَ اِشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ اَلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً ] [ فيليبى 1: 20 – 23 ]…

 

 المسيح هو الحياة وواهبها. فالذى يعيش فى المسيح و [ حَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ ] [ كولوسى 3: 3 ]، هذا يكون [ مَتَى اُظْهِرَ اَلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي اَلْمَجْدِ  ] [ كولوسى 3: 4 ]…

 

د – ماذا عن الذين لم يعرفوا يسوع ولم يقبلوه؟:

يجيب بطرس الرسول قائلاً:

[ الَّذِي فِيهِ أَيْضاً ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، إِذْ عَصَتْ قَدِيماً، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. ] [ 1 بطرس 3: 19، 20 ]…

 

إن الذين ” تمردوا” على السيد والذين سوف يتمردون عليه هم، بعد الموت ” أرواح سجينة”، ويسكنون الهاوية”، ” مكان الهلاك” و” أرض النسيان”…

هذا ما تكلمت عنه المزامير وأشعياء النبى…

وفى مثل لعازر يشير يسوع نفسه وبعبارات رمزية إلى وضع هؤلاء المتمردين الحزين.

فيقول بأن الغنى قد مات ودفن، بينما هو فى ” الجحيم يقاسى العذاب”، رفع عينيه ورأى من بعيد غبراهيم ولعازر فى أحضانه، فصرخ قائلاً:

[ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي اَلْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي اَلْعَذَابِ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ اِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اَللهِيبِ.  ] [ لوقا 16: 23، 24 ]…

ثم يضيف السيد :

[ وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ حَتَّى إِنَّ اَلَّذِينَ يُرِيدُونَ اَلْعُبُورَ مِنْ هَهُنَا إِلَيْكُمْ لاَ يَقْدِرُونَ وَلاَ اَلَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا ] [ لوقا 16: 26 ]…

 

ولكننا نعلم أن السيد نفسه قال أن:

[ غَيْرُ اَلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ اَلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اَللهِ  ] [ لوقا 18: 27 ]…

ونعلم أن المسيح – الله المتجسد – لم ينزل من السماء إلى الأرض فقط بل نزل أيضًا إلى الجحيم وإلى الهاوية:

[ و { مَنْ يَهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ؟ } ( أَيْ لِيُصْعِدَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ ) ] [ رومية 10: 7 ]…

لكى يفتقد الإنسان وهو فى أقصى درجات تعاسته، ويسكر ” القيود الدهرية” ويحرّر الذين يتجاوبون مع محبته…

 

إذًا، بالقيامة تفقد المسيح الذين هم فى الجحيم لأنه ” وطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين فى القبور”…

وكل من يلقى بمصيره بين يدى المسيح ” أذكرنى يا رب متى أتيت فى ملكوتك”، يدخل فى لحظة مماته مع السيد إلى الفردوس:

[ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ اَلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي اَلْفِرْدَوْسِ ] [ لوقا 23: 43 ]…

والفردوس هذا هو:

[ لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اّلْلَّهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ ‏بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ] [ 2 كورونثوس 5: 1 ]…

وهناك يبقى بإنتظار فرح القيامة…

 

ه – صلاة:

وننهى هذا الفصل عن الموت بذكر الصلوات التى تدعونا الكنيسة إلى تلاوتها، وهى توجز ببلاغة تعليم الكنيسة عن غلبة السيد النهائية على الموت:

[ لقد قام المسيح من بين الأموات،

الذى هو مقدمة الراقدين وبكر الخليقة ومبدع كل المخلوقات.

وقد جدّد بذاته طبيعة جنسنا المنفسدة.

فلست تتسلّط فيما بعد أيها الموت لأن سيد الكلّ قد أبطل قوتك وحلّها ].

 


 

4 –

قيامة الموتى والحياة الأبدية

هل سيقوم الأموات بأجسادهم؟…

وهل القيامة هذه حقيقة واقعية أم هى ضرب من الخيال والوهم عفا الزمان على القول بها؟…

 

بادئ ذى بدء نورد بعض النصوص الكتابية التى تلقى الضوء على موضوعنا هذا…

وسنجدها تدعّم فكرة القيامة الفعلية للأموات…

وتجب الملاحظة فى هذا المجال أن آراءنا الشخصية وتأويلاتنا لا قيمة حققبة لها…

فالقيمة كلّ القيمة لما أعلنه الله عن هذا السرّ…

والروح القدس هو دون سائر الأرواح قائدنا إلى الحققة…

والكتاب المقدس يؤكد على ذلك ويحذرنا من محاولة الإتصال بالأرواح كائنة ما كانت:

[ لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى اَلْجَانِّ وَلاَ تَطْلُبُوا اَلتَّوَابِعَ فَتَتَنَجَّسُوا ‏بِهِمْ. أَنَا اَلرَّبُّ إِلَهُكُمْ ] [ لاويين 19: 31 ]…

ونجد أيضًا فى:

[ مَتَى دَخَلتَ اَلأَرْضَ اَلتِي يُعْطِيكَ اَلرَّبُّ إِلهُكَ لا تَتَعَلمْ أَنْ تَفْعَل مِثْل ‏رِجْسِ أُولئِكَ اَلأُمَمِ.لا يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ اِبْنَهُ واِبْنَتَهُ فِي اَلنَّارِ ‏وَلا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلا عَائِفٌ وَلا مُتَفَائِلٌ وَلا سَاحِرٌ. وَلا مَنْ ‏يَرْقِي رُقْيَةً وَلا مَنْ يَسْأَلُ جَانّ وتَابِعَةً وَلا مَنْ يَسْتَشِيرُ اَلمَوْتَى. لأَنَّ كُل مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ اَلرَّبِّ. وَبِسَبَبِ هَذِهِ اَلأَرْجَاسِ ‏اَلرَّبُّ إِلهُكَ طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ ] [ تثنية 18: 9 – 12 ]…

 

أ – فى العهد القديم :

 عندما أعلن الرسول بطرس قيامة المسيح [ أعمال 2: 26 – 28 ]، استشهد بنص المزمور قائلاً:

[ لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَاِبْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي اَلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً. تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ اَلْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى اَلأَبَدِ ] [ مزمور 16: 9 – 11 ]…

بطرس، إذً، يترجّى القيامة، قيامة الأجساد بالفعل، وليس نوعا من قيامة الأرواح فقط، كما كانت تعلم فى المدارس الفلسفية…

 

 أشعياء سبق وتكلّم عن نفسه قائلاً:

[ تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ اَلْجُثَثُ. اِسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ اَلتُّرَابِ. ‏لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَاَلأَرْضُ تُسْقِطُ اَلأَخْيِلَةَ ] [ أشعياء 26: 19 ]…

 

 وفى سفر أيوب نجد الإيمان نفسه بالقيامة بالجسد إذ يؤكد أنه سوف يرى الله بأعين الجسد:

[ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ يَقُومُ وَبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا ‏لِنَفْسِي وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي ‏جَوْفِي ] [ أيوب 19: 25 – 27 ]…

 

 وهنا لا بد من إثبات نبوءة حزقيال التى تتلى فى خدمة صلاة السحر للسبت العظيم المقدس وهى ما يسمّى بجناز المسيح وتقام عادة مساء يوم الجمعة . هذه النبوءة تعطى صورة واضحة ومؤثرة لقيامة الأجساد:

[ كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ فَأَخْرَجَني بِرُوحِ اَلرَّبِّ وَأَنْزَلَنِي فِي وَسَطِ ‏اَلْبُقْعَةِ، وَهِيَ مَلآنَةٌ عِظَاماً. وَأَمَرَّنِي عَلَيْهَا مِنْ حَوْلِهَا وَإِذَا هِيَ ‏كَثِيرَةٌ جِدّاً عَلَى وَجْهِ اَلْبُقْعَةِ، وَإِذَا هِيَ يَابِسَةٌ جِدّاً. فَقَالَ لِي: [ ‏يَا اِبْنَ آدَمَ، أَتَحْيَا هَذِهِ اَلْعِظَامُ؟  فَقُلْتُ: [ يَا سَيِّدُ اَلرَّبُّ أَنْتَ ‏تَعْلَمُ . فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ عَلَى هَذِهِ اَلْعِظَامِ وَقُلْ لَهَا: أَيَّتُهَا اَلْعِظَامُ ‏اَلْيَابِسَةُ، اِسْمَعِي كَلِمَةَ اَلرَّبِّ. هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ لِهَذِهِ ‏اَلْعِظَامِ: هَئَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ. وَأَضَعُ عَلَيْكُمْ عَصَباً ‏وأَكْسِيكُمْ لَحْماً وَأَبْسُطُ عَلَيْكُمْ جِلْداً وَأَجْعَلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ ‏وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ ]. فَتَنَبَّأْتُ كمَا أُمِرتُ. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتنَبَّأُ كَانَ ‏صَوْتٌ وَإِذَا رَعْشٌ فَتَقَارَبَتِ اَلْعِظَامُ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى عَظْمِهِ. ونَظَرْتُ ‏وَإِذَا بِاَلْعَصَبِ وَاَللَّحْمِ كَسَاهَ، وبُسِطَ اَلْجِلْدُ علَيْهَا مِنْ فَوْقُ، ‏وَلَيْسَ فِيهَا رُوحٌ. فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ ‏لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ ‏عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ ‏اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ ‏قَالَ لِي: [ يَا اِبْنَ آدَمَ، هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا ‏هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ ‏تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ ‏وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي ‏أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أنَا اَلرَّبُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 1 – 14 ]… 

 

ب – فى العهد الجديد:

ولنأت الآن إلى العهد الجديد. نجد أن شهادة بطرس الرسول التى ذكرناها تعتمد أيضًا كلام يسوع نفسه إذ أكد رجاء القيامة فقال:

[ اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآن حِينَ يَسْمَعُ الأمْوَاتُ صَوْتَ ابنِ اللَهِ وَالسَامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآب لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ.  لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ  فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ ] [ يوحنا 5: 25 – 29 ]…

 

هذا هو النص الإنجيلى الذى يُقرأ فى صلاة الجناز…

وأمّا نصّ الرسالة فهو للقديس بولس:

[ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي اَلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ اَلرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ اَلرَّبِّ.  لِذَلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهَذَا اَلْكَلاَمِ. ] [ 1 تسالونيكى 4: 13 – 18 ]…

 

كلّ النصوص التى ذكرناها، الواضحة والموافقة فيما بينها، تبين أن الإعلان الإلهى تكلّم عن قيامة للموتى فى أجسادهم وقد علق على ذلك القديس إيريناوس، اسقف ليون 170 م، مجيبا عن تساؤلات المشككين:

{ إن لم يخلص المسيح الجسد بالقيامة فذلك يعنى أنه لم يخلّص الإنسان أبدًا. فهل رأى أحد إنسانا بدون جسد؟…}…

 

التمييز بين روح الإنسان وجسده تمييز مصطنع…

والله إفتقد الإنسان كما هو روحا وجسدًا…

ومن أجل هذا الإنسان تجسّد المسيح وأخذ جسدًا، ثم مات وقام وجلس مع الطبيعة الإنسانية التى تبنى إلى يمين الآب داعيا إليه الذين آمنوا به، والذيم يسلّمون أمورهم وحياتهم للروح القدس ليسكن فى هياكل أجسادهم ويحوّلها إلى آنية صاحة لإقتبال الحياة الأبدية…

والحياة الأبدية هى ” أن يعرفوك أيها الآب القدوس” …

وتعطى لمن يؤمن بالآب ويتقبّل الروح القدس [ يوحنا 6: 40، 47 و8: 51 و11: 25، 26 ]…

وبهذا الصدد يقول الرسول بولس:

[ وَإِنْ كَانَ اَلْمَسِيحُ فِيكُمْ فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ اَلْخَطِيَّةِ وَأَمَّا اَلرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ اَلْبِرِّ ] [ رومية 8: 10 ]…

وكذلك:

[ وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: { ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ }. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ ] [ 1 كورونثوس 15: 54 – 57 ]…

 

والآن لا بدّ من طرح السؤال:

هل يتمكّن الإنسان منذ الآن – أى فى حياته الأرضية – أن ينعم بسكنى الله فيه وأن يذوق حلاوة عشرة الله؟…

 

للإجابة عن هذا السؤال رأينا أن ننطلق من سرد حادثة واقعية حصلت للقديس الروسى سيرافيم ساروفسكى ( 1759 – 1833 ) مع صديق له باسم موتوفيلوف، ثم نتبعها بدراسة أعدّها الأب كاليستوس وير الإنجليزى والأستاذ فى جامعة أكسفورد وهو من أصل أنجليكانى إهتدى إلى الأرثوذكسية…

 


 

5 –

تجلى الجسد

    

أ – الحوار مع موتوفيلوف:

فى إحدى ليالى الشتاء كان القديس سيرافيم ونقولا موتوفيلوف يتحدّثان فى الغابة. كانا يتكلمان عن هدف الحياة المسيحيةالحقيقية. قال سيرافيم جازما:

” إنه إمتلاك الروح القدس”…

فسأل موتوفيلوف:

” وكيف يمكن أن أتأكد أنى فى الروح القدس؟”…

 

وقد جرى عندئذ بينهما الحوار التالى كما جاء على لسان موتوفيلوف”

” عندئذ شدّ سيرافيم كتفى بيديه وقال: يا بنى! كلاا فى هذه اللحظة فى روح الله. لماذا لا تتطلع إلى وجههى؟…

 لا أستطيع. عيناك تلمعان بأشعة البرق الخاطف ووجهك يوج بنور أقوى من نور الشمس. تؤلمنى عيناى إذا حدقتا فى عينيك…

 لا تخف ! فى هذه اللحظة بالذات يغمرك شعاع كالذى يغمرنى. إنك مثلى الآن. إنك ممتلئ أيضا من روح الله…

 

ثم أدار رأسه وقرّبه من أذنى وتمتم فيها كلمات فيها نعومة السحر: أشكر الرب الإله على صلاحه معنا. إن صلاحه لا نهاية له. لكن لماذا لا تنظر إلىّ؟ حدّق ! لا تخف فالله معنا…

 

بعد هذه الكلمات، إرتمت أنظارى فوق وجهه. شعرت خشية عظيمة قد تملكتنى. تصوّروا وجه، تصوّروا الشمس، تصوّروا قلب الشمس، تصوّروا الأشعة الخاطفة، تجدون أنفسكم أمام هذا الإنسان. تصوّروا هذا الوجه وهو يخاطبكم. إنك ترى حركات شفتيه وتلحظ تعابير عينيه المتتابعة كأنها الموج، وتشعر بأن هناك من يشد كتفيك بيديه. إلا أنك، لن ترى، لا يديه، ولا جسمه. إنك لا ترى إلا نورًا يكتنفك ويمتد بعيدًا عنك ويغمر بضيائه الثلوج المبسوطة فوق أشجار الغابة، فينعكس ضياء على الرشوحات الثلجية المتساقطة بإستمرار”…

 

الحوار يستمر. يسأل سيرافيم موتوفيلوف عن الشعور الذى يعانيه فى داخله، فيجيبه، ويعلّق أن حالة الذهول كانت بعد بعيدة عنهما. كلاهما كانا بعد على إرتباط بالعالم الخارجى. ما فتئ موتوفيلوف يشعر بوجود الثلج ويشعر بالغاب، وحديثهما كان مترابطا. حتى هذه اللحظة كان يلفهما نور يخطف الأبصار….

ماذا حصل لهما؟…

 

ب – مغزى الحادثة:

” نور يخطف الأبصار”…

إن لاهوت الكنيسة الأورثوذكسية الصوفى أوضح أن الضياء الذى ينبعث من وجه سيرافيم وموتوفيلوف ما هو إلا قوى الله غير المخلوقة. النور الذى يلفهما هو النور الإلهى نفسه الذى غمر السيد لمّا تجلّى على جبل ثابور…

” فى عينيك خطف البرق، وفى وجهك ضياء أين منه ضياء الشمس”. كلمات موتوفيلوف هذه تحمل إلى ذاكرتنا الآية الإنجيلية:

[  وَأَمَّا هذَا اَلْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَاَلصَّوْمِ  ] [ متى 17: 21 ]…

كما تجلّى المسيح فوق جبل ثابور كذلك تجلّى عبد المسيح سيرافيم فى غاب ساروف…

سيرافيم وموتوفيلوف تجلّيا من مجد إلى مجد حسب تعبير الرسول:

[ وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْلٍ وفِعْلٍ، فَاعْمَلُوا اَلْكُلَّ بِاسْمِ اَلرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اَللهَ وَاَلآبَ بِهِ. أَيَّتُهَا اَلنِّسَاءُ، إِخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي اَلرَّبِّ ] [ كولوسى 3: 17، 18 ]…

 

إن ” الهادئين” ( Hésychastes  ) – وهم أتباع مدلاسة روحية واسعة الإنتشار فى الشرق المسيحى تشدّد على الصلاة المستديمة كأداة للعيش الدائم فى حضرة الله – وخاصة القديسين سمعان اللاهوتى ( 917 – 1022 ) وغريغوريوس بالماس ( 1296 – 1359 ) يكررون الكلام عن نور إلهى واقعى ويعتبرونه ذروة وقمة الحياة فى الصلاة. لا توجد فى حالة سيرافيم رؤيا منظورة بأعين الروح الداخلية. إنه نور طبيعى يُنظر بعينى الجسد خارجيًا…

 

أيمكن أن تعتبر حالة سيرافيم شيئًا عارضًا فريدًا يمكن تنحيته ووضعه جانبا؟…

أيمكن أن يكون حدثا وحدثا غير عادى خارقا وعجيبا؟…

هذا النوع من التفسير يحمل كثيرًا من الأخطاء ويُعتبر معامرة…

 

يُروى عن قديس روسى آخر سرجيوس رادونيج ( 1314 – 1392 ) أن العطر كان يفوح من جسده بعد موته وأن النور كان يغمر وجهه وأن وجهه لم يكن يشبه وجه الأموات بل وجه الأحياء، وقد برهنت الحياة المائجة فوق وجهه على عالم نفسه النقى…

مثل هذه الأمثلة تنقلنا دائما إلى حقيقة التجلّى كحدث وقع فى الزمان والمكان: ” وصارت ثيابه بيضاء كالثلج”…

 

عودة إلى الوراء، عودة إلى آباء الصحراء، نجد أن هناك حالات كثيرة مشابهة…

فى كتاب أقوال الرهبان وصف لموت الأنبا سيسويس. يقول الكتاب:

” عندما كان تلاميذه يحيطون به، وهو على فراش الموت، كان وجهه يشع كالشمس وكان الضياء يزداد تألقا ويغمر جسده حتى فارق الحياة، إذ ذاك، صار النور برقا خاطفا وإمتلأ البيت من رائحة الطيب”…

 

فى بعض الأحيان يتكلّم كتاب الأقوال عن النار أكثر مما يتكلم عن النور. إقترب أحد تلاميذ البار أرسانيوس الكبير منه بصورة عفوية فوجده قائما يصلى وقد ظهر له الشيخ وكانه وسط نار. ويُروى مثل هذا عن كثيرين من الآباء…

 

إن فكرة التجلّى مع أنها غير واضحة ويكتنفها شئ من الغموض إلا أن حقيقتها تبقى قائمة. فى بعض الأحيان تظهر القوى الإلهية غير المخلوقة بشكل ألسنة نارية كما فى يوم الخمسين وبشكل نور كما حصل على جبل ثابور وفى طريق دمشق مع الرسول بولس…

إن تكلمنا عن النار والنور فالحقيقة هى هى لا تتغيّر…

 

لم يُحصر هذا التمجيد الجسدى فى الكنيسة الأرثوذكسية…

لقد عرفته الكنيسة الغربية قديما وفى حالات كثيرة مماثلة…

إنه نتيجة لحرارة الشركة مع الله، لحرارة الصلاة العميقة لله..

هذا النوع من الصلاة الحارة يعطى إشعاعا للجسد فائق الطبيعة ويكون سبيلاً إلى التجلّى الجسدى…

نرى هذا التجلّى الجسدى فى حياة القديسة تيريزا، والقديسة كاترينا بولونيا وكاترينا جنوا…

 

كما أن جراحات القديس فرنسيس الأسيزى فوق جبل المبارنو هى إمتداد لصليب المسيح فى أحد أعضاء جسده السرى:

[ الَّذِي الآنَ افْرَحُ فِي الاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ: الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ ] [ كولوسى 1: 24 ]…

 

ماهو المعنى اللاهوتى لهذا التمجيد الجسدى الذى ظهر فى قديسين من الشرق والغرب؟…

وراء هذه الأمثلة توجد نقطتان لهما معنى أساسى…

 

أولاً: التجلى فى كلتا الحالتين، حالة تجلّى الرب وحالة تجلّى قديسيه، يؤكّد أهمية الجسد الإنسانى فى اللاهوت المسيحى. عندما تجلّى المسيح على جبل ثابور ظهر مجده فى جسده وعن طريق هذا الجسد. رأى التلاميذ بأعينهم الجسدية:

[ فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً ] [ كولوسى 2: 9 ]…

كما أن مجد المسيح لم يكن داخليًا فقط بلّ ماديًا وجسديًا كذلك كان مجد قديسيه…

إن تجليهم يؤكد أن تقديس الإنسان ليس أمرًا يستهدف الروح فقط بل أمرًا يشمل الجسد أيضا، أى الإنسان روحا وجسدًا…

 

ثانيا: التجلى فى كلتا الحالتين، فى تجلّى المسيح وفى تجلّى قديسيه، حدث أخروى. إنه سبق مذاق وعربون الحضور الثانى. وتمجيد جسد القديسين يرمز بطريقة حية إلى منزلة المسيحى، ويشير كيف أن المسيحى هو فى ” العالم وأنه ليس من العالم”. وأنه قائم فى نقطة الفصل بين الجيل الحاضر والمستقبل ويعيش فى الجيلين معا. الأزمنة الأخيرة ليست حدثا إستقباليا فقط. لقد إبتدأت بالفعل…

 

ج – الجسد واسطة لتمجيد الله :

إن بلاديوس ( 363 – 430 )، فى رحلته الأولى إلى مصر عاش مع شيخ ناسك اسمه دوروثيوس وكان هذا ينقل الحجارة طول النهار تحت أشعة الشمس المحرقة، لبناء القلالى. إحتج بلاديوس على عمل الشيخ وقال له:” ما هذا الذى تفعله طول النهار تحت أشعة الشمس الكاوية وأنت فى هذه السن؟ إنك تقتل نفسك”…

فأجابه دورثيوس ساخرًا:” يا بنى يجب أن أقتل هذا الجسد قبل أن يقتلنى”…

هذا القول يتعارض تماما مع قول بيمين أحد أباء الصحراء:” نحن لم نتعلّم قتل الجسد بلّ قتل الأهواء”…

 

وراء هذين القولين الموجزين توجد، بعد التدقيق، طريقتان مختلفان فى النظرة إلى الإنسان…

الطريقة الأولى طريقة أفلاطونية أكثر مما هى مسيحية…

والثانية مسيحية حقيقية ترتكز على الكتاب المقدس…

وراء هاتين الطريقتين المختلفتين فى النظرة إلى الإنسان نظرتان مختلفتان عن الخليقة…

النظرة الأفلاطونية عن الخليقة تقول بأزلية المادة. ليست المادة شيئًا خلقه الله من العدم بل شيئًا سبق وأن كان موجودًا، ومع أن الله يستطيع أن يعطى للمادة شكلاً وترتيبًا إلا أنها تبقى فى نهاية المطاف شيئًا خارج الله، مبدأ مستقلاً عن الله…

أما الكتاب المقدس فلا يقبل بأيّة فكرة تقول بمبدأين…

المادة حسب التفكير الكتابى ليست مستقلّة عن الله ولا مساوية له فى البدء، إنها ككل الكائنات الهيولية خلقة من خلقته إذ:

[ ِفي اَلْبَدْءِ خَلَقَ اَللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ… وَرَأَى اَللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً ] [ تكوين 1: 1، 31 ]…

 

مقابل هاتين الفكرتين عن الخليقة نجد نظرتين مختلفتين فى علم الإنسان ( الأنثروبولوجيا ). ينظر أفلاطون ( ومثله أكثر الفلاسفة اليونانيين ) إلى الإنسان نظرة ثنائية ويعالجه على هذا الأساس. يعتبر النفس إلهية أمّا الجسد فينظر إليه كسجن وكنبع للمآثم. الإنسان عقل سجين فى جسد ترابى يخفق إلى الحرية. الجسد قبر. وهدف الفيلسوف هو أن يبقى بعيدًا عن كلّ ما هو مادى…

هناك من ينظر إلى الجسد نظرة معتدلة فيعتبرونه وشاحا لا بدّ للإنسان إلا وأن ينعتق ( فيثاغورث )…

وهناك من ينظر إليه نظرة صارمة قاسية: ” أنك يا نفس فقيرة تحملين جثة” ( مرقس أوريليوس )…

 

إن الكتاب المقدّس يدعو إلى نظرة إلى الإنسان تقوم على الوحدانية لا الثنائية كما هو الحال فى الفلسفة اليونانية…

ليس الإنسان سجينا فى الجسد إنه وحدة جسد وروح…

إنه كلّ روح جسدى…

قال أفلاطون ” الروح هى الإنسان”…

أمّا الكنيسة فترد قائلة الروح ليست كل الإنسان. روحى ليست أنا…

عندما خلق الله، عندما خلق الثالوث الأقدس الإنسان على صورته خلق كيانا كاملاً، خلق الروح والجسد معا…

وعندما أتى الله إلى الأرض ليخلص الإنسان لم يأخذ نفسًا بشرية فقط بلّ جسدًا بشريا أيضًا لأن إرادته كانت، وهى، تخليص كل الإنسان، جسده وروحه…

 

فى الواقع أن الجسد كما نعرفه ثقل…

إنه شئ يسبب لنا التعب والشقاء وعذاب الولادة…

إنه كما نعرفه فعلاً نبع لكل الأهواء الخاطئة وهذه كلها نتيجة للسقطة…

بعد السقطة لم بيق الجسد البشرى على حالته الطبيعية بلّ صار إلى حالة مضادة للطبيعة…

لا شك أن الجسد والروح سينفصلان وهذا الإنفصال إنفصال مؤقت ما دام المسيحيون يترجّون قيامة الجسد وفى القيامة سيعود الإتحاد مرة أخرى…

ليس الجسد قبرًا ولا سجنا بلّ قسم جوهرى من الإنسان…

 

إن الجسد فى نظر الرسول بولس ليس عدوًا تجب محاربته وسحقه بلّ سبيلاً يمكن الإنسان أن يمجّد به خالقه:

[ أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلروحِ اَلْقُدُسِ اَلَّذِي فِيكُمُ اَلّذِي لَكُمْ مِنَ اَللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ ] [ 1 كورونثوس 6: 19 ]…

[  فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا اَلإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اَللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اَللهِ عِبَادَتَكُمُ اَلْعَقْلِيَّةَ ] [ رومية 12: 1 ]…

 

الإرتباط الجوهرى بين النفس والجسد، خلاصهما المشترك هو فكر واضح جدًا عند القديس إيريناوس:

” بيدىّ الله أى بالابن والروح القتدس خُلق الإنسان على شبه الله. أقول الإنسان كله لا قسمًا منه فقط خُلق على صورة الله. النفس والجسد معا يشكلان الإنسان بقسميه، لا الإنسان بحد ذاته. لأن الإنسان ككل هو مزج ووحدة النفس  بالجسد “…

 

إن صورة الله، حسب قول إيريناوس، ليس ينحصر بالعقل بلّ شيئًا يتناول الجسد الإنسانى. يعالج هذه الناحية يوستينوس الفيلسوف فى بحثه عن القيامة فيقول:

” من الواضح، إذًا، أن الإنسان المخلوق على صورة الله هو جسدى. أليس القول: إن لا قيمة للجسد المخلوق على صورة الله ولا شرف له قول غير صحيح ومشين؟…

فهل الإنسان روحا فقط؟. كلا!.إنها روح الإنسان…

أيمكن أن يكون الإنسان جسدًا فقط؟ . كلا!. إنه جسد الإنسان…

الإنسان هو وحدة من الإثنين…

لو أخذ الإنسان بقسمه الواحد دون الآخر، لكان حياديًا”…

 

فى عبارته ” نثبت إستنادًا إلى طبيعة الإنسان الكتابية أن الإنسان سمّى إنسانا لا لأنه ذو نفس فقط وجسد فقط، بل لأنه وحدة من النفس والجسد ومن الناحيتين خُلق على صورة الله ومثاله”…

 

بدلاً من أن يستغل الكتبة المسيحيون النتائج التى يكتسبها الجسد والمادة من خلقة الإنسان على صورة الله وقعوا فى نوع من الملائكية وإعتبروا الجسد كعائق ومانع، كشئ لا علاقة له بالحياة الروحية، كشئ خارجى عن طبيعة الإنسان الحقيقية وأوحوا أن هدف حياة الإنسان هو أن يتحرّر من ربط المادة وأن يحيا حياة روح بدون جسد…

 

هذه النظرة لا تأخذ بعين الإعتبار الفرق الجوهرى بين الإنسان والملائكة.

خلق الله الملائكة أرواحا خالصة، أما الإنسان فقد أعطاه جسدًا تماما كما أعطاه روحا وهذان يشكلان وحدة جوهرية…

خلق الله الإنسان بجسد ومن الكبرياء والجنون الفاضح أن يحاول الإنسان أن يخلع عنه جسده ويصبح ملاكا…

كما يقول باسكال:

” ليس الإنسان ملاكا ولا حيوانا. من يريد أن يكون الملاك يكون الحيوان “…

لا يجوز أن يتجاهل الإنسان، ولا أن يحاول أن يتجاوز الطبيعة المادية بل عليه أن يفتخر بجسده وأن يستعمله كأشرف هدية من الله…

يعتقد الكثيرون أن الإنسان دون الملاك لأنه يملك جسدًا…

الملاك لا يملك إلا روحا والإنسان يملك روحا وجسدًا…

يقول غريغوريوس بالماس: ” إن الإنسان هو فوق الملاك لأنه يملك جسدًا”…

الإنسان حد وسط بين المادى واللامادى، إنه يشترك فى العالمين، لذلك يشكّل جسرًا ونقطة تماس لكل الخليقة الإلهية…

 

 كل هذا وأمور أخرى كثيرة تقوم وراء سرّ التجلّى، وراء إتساع هذا السرّ فى أعضاء الكنيسة…

يقول أسقف فاستكوت: ” إن التجلّى هو مقياس إمكانات الإنسان، هو كشف قدرة الحياة الأرضية الروحية فى أسمى أشكالها الخارجية. إن تجلّى المسيح وتجلّى قديسيه يبرهن لنا عن مقياس إمكانات الإنسان ويُظهر لنا الجسد الإنسانى كما خلقه الله فى البدء وما هو مؤهل ليصبحه بنعمته وإرادتنا. التجلّى يكشف روحانية طبيعتنا المادية الخاطئة، نرى الجسد الإنسانى فى حالته النهائية عندما يصبح جسدًا روحيا. إن تجلّى  الأجساد مظهر مدرك فقط ضمن إطار أنتربولوجيا تقبل بإمكانات الجسد الإنسانى الروحية وترفض بقوة كل شكل من أشكال الثنائية الأفلاطونية”…

 

فلنا أن نرى فى التجلّى الجسد البشرى كما خلقه الله فى البدء…

مجد يسوع المسيح فوق جبل ثابور ليس مجدًا أخريا فحسب بل حدثا يشير إلى طبيعة الإنسان فى البدء قبل أن تدميرها الخطيئة…

ولذلك نرتل فى عيد التجلّى:

أيها المسيح المخلص لقد جعلت طبيعة آدم المظلمة تزهو بتجلّيك معيدًا عنصرها إلى مجد وبهاء لاهوتك…

 

إن تجلّى جسد يسوع المجيد على جبل ثابور يكشف ” جمال الصورة الإلهية” ويُظهر لنا كيف كانت طبيعتنا الإنسانية لو لم تتلوّث بخطيئة آدم ويوضح لنا ما تستطيعه وما يجب أن تصيره طبيعتنا البشرية…

 

فى حياة القديسين الذين لم يتمجدوا جسديًا كما تمجد سيرافيم، يمكننا أن نلحظ بطريقة معدلة التعليم نفسه عن الجسد البشرى…

سنعرض بعض الأمثلة من المتحدين القدامى …

بين النساك القدماء فى الصحراء قد نجد ثنائية خاطئة بسبب صرامة الحياة الفائقة القياس وقد نصادف فى أكثر الأحيان العكس…

عندما خرج القديس أنطونيوس ( 251 – 356 ) من برجه الصحراوى حيث عاش متوحدًا مدة عشرين عاما ( كما ذكر أثناسيوس الرسولى ) تعجّب الناس عندما رأوا جسده على حاله، ما أرهقته الصيامات ولا هدته صراعاته مع الشياطين. كان منتصب القامة كمسير بالمنطق وكعائش حسب الطبيعة، لا أثر لأى ثنائية فيه…

كان أنطونيوس فى حالة طبيعية، إنه فى حياة حسب الطبيعة، لم يغيّر جسده الحياة الصارمة…

يظهر ان الناسك الذى ينشد الحياة التى قبل الخطيئة يستهدفها نفسًا وجسدًا…

فى كتابه ” حياة أنطونيوس” يُبرز أثناسيوس الرسولى حفاظ الناسك أنطونيوس على جسده بصورة تثير الإنتباه:

” ومع إنه عاش مئة وخمس سنين فقد بقى محافظا على نظره وأسنانه كاملة وبقيت يداه ورجلاه قويتين”…

 

هناك فى مصر رعية من النساك معروفة عندنا، كانت أجساد متوحديها فى حالة صحية جيدة كالقديس أنطونيوس ولم يمرض أحد منهم قبل موته…

عندما كانت تحضرهم ساعة المنية كان المتوحد منهم يستعد ويخبر إخوته ثم يضطجع وينام نومته الأخيرة…

لم يكن مرض قبل الخطيئة…

هذا ما يحدث أيضًا فى بعض الأحيان مع أولئك الذين حصلوا بقداستهم على الحالة الفردوسية…

إنهم يتحررون من الأمراض…

 

يكتب يوحنا السلمى ( 579 – 649 ) عن هذا الموضوع فى سلمه المشهور ويشرح فى آخر الدرجة الثلاثين من السلّم موضوع التجلّى…

يتكلم عن تجلّى الجسد فيقول: ” عندما يبتهج القلب بمحبة الله يبتهج وجهه ويُشرق. إذًا، عندما يندمج الإنسان كليًا بالمحبة الإلهية يكتسب الوجه نقاوة ونورًا ويصبح مرآة مشعّة تعبّر عن الأنوار الداخلية القائمة فى أعماق النفس. بهذا البهاء شعّ موسى ولمع لونه”…

ثم يتابع :” أولئك الذين يصلون إلى عمل المحبة الملائكى كثيرًا ما يسهون عن تذوق لذة الطعام. إنى أعتقد أن الذين حازوا على هذه المحبة الإلهية شابهوا الملائكة فكأنهم خالدون لا تمرض أجسامهم بسهولة، وصارت غير فانية وخالدة نقتها لهب المحبة الإلهية النقية”…

 

يمكن للجسد الإنسانى حتى فى الحياة الحاضرة وفى حالات معيّنة أن يحقق ضمن حدود معيّنه عدم الفساد الذى كان لآدم قبل السقطة والذى هو نصيب كل الأبرار بعد قيامة الجسد…

 هذا يساعدنا لنفهم كيف تبقى أجساد القديسن غير فانية بعد الموت فى بعض الأحيان…

 

د – مجد القيامة الأخير:

إن تجلّى ربنا وإلهنا يجيبنا على السؤال التالى:

كيف أن كثيرًا من القديسين لا يرى جسدهم فسادًا؟…

مرة، ومرة واحدة فقط، أثناء حياة المسيح على الأرض، ظهر المسيح لتلاميذه متجلّيًا بالنور الإلهى وللحظة…

هذا لا يعنى أن طبيعة الرب البشرية قبلت شيئًا لم يكن فيها من قبل ثم فقدته. بالعكس لم يكن المجد الذى شعّ فى يسوع على جبل ثابور مجدًا فوق العادة بل شيئًا كان يملكه دائما إلا أنه بحركة إخلاء ذات إرادية أخفى هذا المجد لظروف أخرى…

فى حضوره الثانى سيأتى الرب بمجدٍ وقوة، والبشر سينظرون جسده كما هو فى الواقع بكل جماله وعظمته. وأيضا قديسيه، عندما يقوم الأموات فى اليوم الأخير، سيظهرون ممجدين جسديًا وروحيًا…

 

التجلّى هو، إذًا، حقيقة أخروية، أى رجاء مجئ المسيح الثانى، عندما يظهر أيضًا بمجده كما ظهر فى ثابور ويرمز إلى قيامة الموتى، عندما يخترق النور الإلهى ذاته الذى شعّ فى جسد يسوع فوق جبل ثابور أجساد القديسين الناهضين من القبر.

يقول غريغوريوس الناطق بالإلهيات:

” أيعلن بالتجلى غير مجد القيامة الأخيرة ؟، إن مجد ثابور هو عربون ووعد وظهور مجد الفردوس”…

 

فى مواعظ مكاريوس الكبير ( فى بداية القرن الخامس ) يجرى الكلام بصورة مفصّلة عن تجلّى الإنسان العتيد بعد قيامة الجسد:

” يتمجد جسد الإنسان على قدر ما يكون مالكا للروح القدس. ما يخزنه الإنسان فى أعماق نفسه سينكشف وسيظهر خارج الجسد وسيأتى يوم القيامة. وبقوة شمس العدل، يخرج من الداخل إلى الخارج مجد روح القدس ويغمر أجساد القديسين الذين إختبأ مجدهم داخل نفوسهم. ما فيهم الآن يخرج خارج الجسد فتتمجد إذاك أجسامهم بالنور الذى لا يُدرك والذى كان فيهم بقوة الروح “…

 

بعد القيامة ستلمع أجساد القديسن بالنور كما يقول الكتاب…

هذا البهاء مدين لمجد الروح الذى سينسكب فى الجسد ويجعله شفافا…

الجسد يقبل أن يكشف البهاء الذى هو داخل النفس روحيًا وغير مادى…

سيُرى مجد الروح فى الجسد المتجلّى كما ترى تماما لون الأشياء وسط الأوعية الزجاجية…

 

هذا ما يحاول أن يفعله المصور الكنسى ويمثله سريا…

يحاول أن يبرز جسد القيامة المتجلى المشع بنور الروح القدس…

 

ه – بدء جيل المستقبل:

إن ما يسميه القديس توما الأكوينى ” إنسكاب الروح فى الجسد” ليس شيئًا مُعدًا فقط للمستقبل…

يتمتع البعض ( كما رأينا ) بمجد جسدى من الآن ( حتى لو كان التمتع لحظة )…

 

إن حقيقة اليوم الأخير هى القيامة الشاملة وتجلّى الجسد…

ألا نعيش كمسيحيين دُفنّا وقمنا مع المسيح بالمعمودية فى الجيل الآتى منذ الآن بدرجة ما؟…

أليس ملكوت الله حقيقة حاضرة وفى الوقت نفسه مستقبلة؟…

إن القيامة كما يؤكد الإنجيلى يوحنا فى سرده لقيامة أليعازر شئ يشترك فيه المؤمن من الآن…

إن مرثا عندما تقول ” أنا أعرف أنه سيقوم فى اليوم الأخير” تقصد القيامة فى المستقبل…

أمّا المسيح فيؤكد حقيقة القيامة الحاضرة بجوابه لها:

[ قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: { أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي اَلْقِيَامَةِ فِي اَلْيَوْمِ الأَخِيرِ }. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: { أَنَا هُوَ اَلْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ } ] [ يوحنا 11: 24 – 26 ]…

كل الأمثلة عن التمجيد الجسدى وعن المذاق المسبق لقيامة الأموات الأخيرة تؤكد أن التعليم المسيحى عن الآخرة ليس شيئًا إستقباليا فقط بل شيئًا محققًا من الآن وقد كرّس…

يقول القديس غريغوريوس بالماس:

” إذا كان الجسد يشترك آنذاك مع الروح بالخيرات السرّية فإنه الآن يشترك بخيرات الروح الذى يقطنه”…

 

هذا هو المعنى اللاهوتى لحوار: سيرافيم وموتوفيلوف…

إنه يعرض بوضوح الأهمية التى للجسد البشرى فى مخطط الله الخلاصى، ويدعونا لتوجيه أنظارنا إلى قيامتنا العتيدة وفى الوقت نفسه يرينا كيف يمكن أن نتمتع بالثمار الأولى، ثمار القيامة هنا ومن الآن…

 

و تجلى العالم :

ليس الجسد الإنسانى مدعوًا ليتجلّى، ليصير ” متشحا بالروح” وحسب، بلّ الخليقة المادية كلها…

عندما يبزغ اليوم الأخير لن ينسلخ الإنسان المُعْتق عن باقى الخليقة إذ أن الخليقة كلها ستخلص وستتمجد معه…

يقول الإنجيلى يوحنا:

[  ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ اَلسَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَاَلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ ] [ رؤيا 21: 1 ]…

ويقول الرسول بولس:

[ لأَنَّ اِنْتِظَارَ اَلْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اِسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اَللهِ. إِذْ أُخْضِعَتِ اَلْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ – لَيْسَ طَوْعاً بَلْ مِنْ أَجْلِ اَلَّذِي أَخْضَعَهَا – عَلَى اَلرَّجَاءِ. لأَنَّ اَلْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضاً سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ اَلْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اَللهِ. فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ اَلْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعاً إِلَى اَلآن ] [ رومية 8: 19 – 22 ]…

يمكن أن تؤول هذه الفكرة عن خلاص العالم تأويلاً خاطئا إلا أنها عندما تُفَسّر تُفَسيرًا صحيحا تُشكّل عنصرًا أساسيا من عناصر العقيدة الأرثوذكسية عن الأمور المتعلّقة بالآخرة…

 

يستطيع الآن أن ينظر الإنسان إلى الأيقونات المقدسة كثمار أولى لهذا الخلاص الجماعى الذى يشمل حتى المادة…

فيها نرى بوضوح ما للخشب واللون كمادة من إمكانات التقديس …

الأيقونات هى كشوفات قوية للقوة الروحية التى يملكها الإنسان وبها يستطيع أن يخلّص العالم بالجمال والفن…

إنه عربون الظفر العتيد عندما يتوطد الخلاص الذى حمله المسيح لكل الخليقة لمحو نتائج السقطة…

الأيقونة مثال مادى إيجابى أعيد وضعه فى تناسقه وجماله الأولى يستعمل الآن كمتشح للروح القدس…

الأيقونة تؤلّف قسما من العالم المتجلّى…

 

كما أن تجلّى يسوع يرمز إلى قيامة الجسد الأخيرة، كذلك يشير مسبقا إلى تحوّل كلّ العالم…

إن شخص السيد المسيح لم يتجلّ وحده فوق جبل ثابور بلّ ولباسه أيضا…

يقول ف. دى موريس:

” إن حدث التجلّى عاش خلال العصور وأنار جميع الأجيال. لقد حازت كلّ الوجوه، بسبب ذلك النور وتلك الهيئة التى شعّت بمجد الله، بسبب تلك الأوشحة التى لمعت بيضاء كالثلج، على هذا الإشعاع وكل الأشياء العامة تجلّت. تجلّى الرب يسوع يعنى تجلّى كل المخلوقات تجليا كماله فى المستقبل ومقدماته لنا من الآن ويمكن أن يتذوقها الإنسان. يكفى أن تكون له الأعين ليرى”…

 

يقول القديس إيريناوس فى وصفه اليوم الأخير:

” لا أقنوم ولا جوهر الخليقة يندثران، بل حجم هذا العالم يعبر، أى ما كان سببًا للمعصية وصار به الإنسان عتيقا. بعبور هذا الشكل وتجدّد الإنسان وبنموه فى عدم الفساد لا يستطيع أن يصير عتيقا.وتكون سماء جديدة وأرض جديدة ويبقى الإنسان فى الجديد جديدًا يحدث الله ويكلمه”…

 


 

6 – 

الدينونة

   

أ – عدل الله وحكمه :

الله طويل الأناة ومتحنن ومحب للبشر وهو بالمقدار نفسه عادل…

وكما أن محبته للبشر وتحننه لا متناهيان، كذلك عدله…

ومع التأكيد على أن الله رحيم غفتور يفتح صدره للذى ياتى إليه تائب، كالابن الشاطر، فيعفو عنه ويخلّصه، فهو كذلك ديّان يدين بالقوّة نفسها من لا يتوب ويرفض الخلاص…

ولذا كان لا بدّ من الكلام عن العقاب الأبدى بعد أن تحدّثنا عن الحياة الأبدية…

ويذكّرنا بذلك الرسول بولس حيث يقول:

[ فَإِنَّنَا نَعْرِفُ اَلّذِي قَالَ: { ليَ اَلاِنْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ اَلرَّبُّ }. وَأَيْضاً: { الرَّبُّ يَدِينُ شَعْبَهُ }. مُخِيفٌ هُوَ اَلْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اَللهِ اَلْحَيِّ! ] [ عبرانيين 10: 30، 31 ]…

 

ب – المسيح هو الديان :

لنتأمل مليا فى هذا النصّ الذى أعطانا يوحنا الرسول:

[ قَالَتْ لَهُ: { نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ اَلْمَسِيحُ ابْنُ اَللَّهِ الآتِي إِلَى اَلْعَالَمِ }. وَلَمّا قَالَتْ هَذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً قَائِلَةً: { اَلْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ وَهُوَ يَدْعُوكِ }. أَمَّا تِلْكَ فَلَمّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَاءَتْ إِلَيْهِ. وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى اَلْقَرْيَةِ بَلْ كَانَ فِي اَلْمَكَانِ اَلَّذِي لاَقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا  ] [ يوحنا 5: 27 – 30 ]…

 

ولنعد إلى ما أورده القديس متى عن لسان السيد فى يوم الدينونة:

[ ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ منْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ ] [ متى 25: 34 – 36 ]…

 

ج – شرط الدينونة:

نخْلُص مما سبق إلى ما يلى:

 الحاكم الديّان سيكون المسيح نفسه..

 

 هذا الحاكم الديّان يحبنا ومات من أجلنا:

[ لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ. فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضاً أَنْ يَمُوتَ. وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ اَلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. ] [ رومية 5: 6 – 8 ]…

 

 هذا الحاكم الديان نفسه قال على لسان نبيّه:

[ قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ اَلشِّرِّيرِ، بَلْ ‏بِأَنْ يَرْجِعَ اَلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. إِرْجِعُوا إِرْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ ‏اَلرَّدِيئَةِ. فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ ] [ حزقيال 33: 11 ]…

وقد أكّد الرسول بولس هذا القول:

[  اَلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ اَلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ اَلْحَقِّ يُقْبِلُونَ ] [ 1 تيموثاوس 2: 4 ]…

وذكرنا به بطرس الرسول:

[ لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ اَلْجَمِيعُ إِلَى اَلتَّوْبَةِ ] [ 2 بطرس 3: 9 ]…

 

 وكما أن هذا الحاكم الديّان محب ورحيم فهو عادل…

 

 وسوف يعاملنا السيد حسب أعمالنا ونيّاتنا فى آن:

[  لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ اَلنَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ اَلْخَطِيَّةِ ] [ رومية 3: 20 ]…

إذ قال السيد:

[ فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ. وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ ] [ لوقا 6: 36، 37 ]…

 

 وبالتالى سيكون حسابنا عسيرًا ومرتبطا إرتباطا وثيقًا بمواقف داخلية تنمّ عن محبة وعطاء يتجلّيان فى علاقتنا بالمرضى والغرباء والسجناء والمعذبين فى الارض لأن فى هؤلاء يسكن السيد…

وهكذا، فالمحك، فى النهاية، سيكون مقدار محبتنا وتكريس ذواتنا لخدمته وخدمة الذين خُلقوا على صورته ومثاله:

[ إِنَّ مَحَبَّتَنَا لإِخْوَتِنَا تُبَيِّنُ لَنَا أَنَّنَا انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. فَالَّذِي لاَ يُحِبُّ إِخْوَتَهُ، فَهُوَ بَاقٍ فِي الْمَوْتِ  ] [ 1 يوحنا 3: 14 ]…

 

 ها هو الطريق الذى يجب أن نسلكه لنحظى بالحياة الأبدية…

وقد أصبح واضحا كلّ الوضوح…

فما علينا إلا أن نَعْبُر من البغضاء إلى المحبة، لأن عبورًا كهذا يجعلنا نَعْبُر من الموت إلى الله أى الحياة…

وهكذا، نستبق، بشكل من الأشكال، الدينونة…

وكما يقول ذهبى الفم:

” السماء على الأرض نجدها فى الإفخارستيا وفى محبّة القريب”…   

 المعرفة والإيمان وليدًا المحبّة:

[ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً: لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَصْدُرُ مِنَ اللهِ. إِذَنْ، كُلُّ مَنْ يُحِبُّ، يَكُونُ مَوْلُوداً مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ .أَمَّا مَنْ لاَ يُحِبُّ، فَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّفْ بِاللهِ قَطُّ لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ! وَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لَنَا إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الأَوْحَدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. ] [ 1 يوحنا 4: 7 – 9 ]…

 

 الله محبّة، فمن لا يحب لا شركة له مع الله، وبالتالى لا صلة له بالحياة التى هى من لدن الله…

ومآله الموت والزوال…

ومصيره جهنم حيث ” لا يوجد الله” ولا يسمع له صوت…

وليس العذاب الأبدى هو أن يعرف الخاطئ أنه سيحيا إلى الأبد بعيدًا عن حضرة الله، لا يسمع صوته ولا ينعم بالملكوت الذى أعده الله منذ إنشاء العالم:

[  ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ ] [ متى 25: 34 ]…

 


 

 

7 –

الصلاة من أجل الموتى

   

 صلاة البار وشركة القديسين :

يوصينا يعقوب الرسول فيقول:

[ وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ لِكَيْ تُشْفَوْا. طِلْبَةُ اَلْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعلِهَا ] [ يعقوب 5: 16 ]…

وفى كتاب المكابيين نجد أن صلاة البار تقتدر على الصفح عن الخاطئ حتى بعد وفاته:

[ لأنَّه لّوْ لَمّ يَكُنْ مُتَرْجَيًا قِيَامَةُ اَلَّذين سَقَطُوا لَكَانَتْ صَلاتَه مِنْ أَجْلِ اَلمَوْتَى بَاطِل وعَبَثًا. ولاعْتِبَارِه أَنّ اّلَّذِين رّقّدُوا بِالتَقْوَى قَدْ إِدْخَرَ لَهُمْ ثَوَابٌ جَمِيلٌ. وَهُوَ رَأيٌ مُقَدَّسٌ تَقْوَي ولِهَذَا قَدَّمَ اَلكَفَّارَة عَنْ اَلمَوْتَى لِيُحَلُّوا مِنْ اَلخَطِيَّئةِ  ] [ 2 مكابيين 12: 44 – 46 ]…

 

أمّا يوحنا الإنجيلى فيعكس الآية ويقول لناك

[ وَلَمَّا أَخَذَ اَلسِّفْرَ خَرَّتِ اَلأَرْبَعَةُ اَلْحَيَوَانَاتُ وَاَلأَرْبَعَةُ وَاَلْعِشْرُونَ شَيْخاً أَمَامَ اَلْحَمَلِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُوراً هِيَ صَلَوَاتُ اَلْقِدِّيسِينَ … وَجَاءَ مَلاَكٌ آخَرُ وَوَقَفَ عِنْدَ اَلْمَذْبَحِ، وَمَعَهُ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَأُعْطِيَ بَخُوراً كَثِيراً لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ اَلْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْبَحِ اَلذَّهَبِ اَلَّذِي أَمَامَ اَلْعَرْشِ ] [ رؤيا 5: 8 و8: 3 ]…

ويشبه صلوات القديسين أمام عرش الحمل بكؤوس من ذهب مملوءة بالبخور…

 

فالموت، إذًا، لا يفصم عُرى وحدة جسد المسيح…

والأحياء فى هذا العالم والذين إنتقلوا على رجاء القيامة هم دائما جسد واحد…

وهذا ما نسمّيه ب ” شركة القديسين”…

 

هذه الشركة التى سبق وتحدثنا عنها فى الفصل الثامن تتجلّى على أفضل وجه فى حياة الكنيسة الليتورجية…

فالكنيسة جمعاء تصلّى وليس الأحياء فقط…

لأن الأموات الموجودين معنا فى الكنيسة والذين تمثلهم أيقونات القديسين الموضوعة فى الكنيسة هم أيضًا يشاركوننا التسبيح…

وشئ آخر هام يحصل فى القداس الإلهى إذ أن الكاهن يذكر الأحياء ويضع قطعا من خبز التقدمة على الصينية ثم يذكر الأموات ويضع على الصينية نفسها قطعا من خبز التقدمة، وبعدئذ يضع ما تجمّع على الصينية فى الكاس فيغدو الأحياء والأموات جسدًا واحدًا بالمسيح…

 

لذلك، فالمكان الوحيد الذى يلتقى فيه الأحياء والأموات بكلّ معنى الكلمة هو الكنيسة وبالتحديد فى الكأس المقدس أى فى المسيح يسوع…

 

لذا، فنحن مدعوون إلى أن نحمل أمواتنا فى صلواتنا إلى الرب وهم أيضًا يشتركون معنا فى التسبيح فيتمجد اسم الرب فيهم وفينا وينمو الجسد الذى يجمعنا والذى هو الكنيسة جسد المسيح...

Posted in عقيدة مسيحية | Leave a Comment »

مدخل إلى العقيدة المسيحية- المعمودية

Posted by mechristian في أوت 11, 2007

 

مدخل إلى العقيدة المسيحية

د.كوستى بندلى ومجموعة من المؤلفين

الفصل التاسع: المعمودية

الفصل التاسع: المعمودية.

* الأسرار فى الكنيسة:

* سر المعمودية:

1 – المعمودية موت وحياة:

2 – المعمودية فى الديانات :

3 – المعنى المسيحى للمعمودية:

* ملحق :معمودية الأطفال

1 المسألة :

2 – معمودية الأطفال فى العصر الرسولى:

3 – معمودية الأطفال فى العصور الأولى:

4 – الأساس التاريخى واللاهوتى لمعمودية الأطفال:

5 – الولادة الطبيعية من أبوين مسيحيين دعوة إلى العماد:


الفصل التاسع

المعمودية

” ..و اعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا…”

 

 

* الأسرار فى الكنيسة:

يبتدئ البحث فى الأسرار من البحث عن الإنسان المؤمن، بعد أن صعد الرب إلى السماء…

 

نعلم أن بولس الرسول تكلّم على أن هناك سرًا إلهيًا كان فى الله منذ الأزل، وهو سرّ محبة الله للبشر…

هذا السر يشكّل حياة الله ضمن الثالوث القدوس، أى أن الآب والابن والروح القدس متحدون بسرّ المحبة:

[ اَلله مَحَبّة ] [ 1يوحنا 4: 8 ]…

 

تنطلق المحبة من الآب وتعود إليه فى دورة دائمة، فى حركة بين الأقانيم الثلاثة دائمة…

هذا السر، سرّ أن الله محبة، كُشف فى المسيح وحققه المسيح…

حقق المسيح المحبة بالفداء ثم عاد المسيح إلى أحضان الآب وأعاد إليه هذا الجنس البشرى المتروك الذى كان قد أخطأ….

بعودة المسيح إلى الآب، الإنسان نفسه عاد إلى الله…

هذا فى الأساس…

ثم سكب الله الروح القدس على المؤمنين لكى يعطيهم كلّ ما حُقق فى المسيح، أى لكى يمنحهم سرّ محبته ويجعلهم يعيشون معه…

حياة الله التى تدور ضمن الثالوث القدوس وتغلى ضمنه، حياة الله هذه كان لله أن يمد البشر بها…

والروح القدس هو الموزّع لحياة الله، هو معطيها…

إذًا، كل الهدف من مجئ المخلص على الأرض وصعوده إلى السماء، هو توزيع المواهب الإلهية على الناس…

بكلمة أخرى، يجب أن يكون هناك قوم يعيشون بحياة الله، وهؤلاء القوم هم الكنيسة…

والكنيسة تعيش بحياة الله، بقوة الله، كما كانت هذه القوة ظاهرة فى المسيح…

أى هى القوة نفسها التى كانت فى المسيح أيام بشارته، عندما كان على الأرض…

قوة المسيح هذه التى خلصت وأحبت يجب أن تُنقل بالروح القدس…

حياة الكنيسة هى، إذًا، حياة المسيح منقولة إلينا بالعنصرة، بإنعطاف الروح القدس على البشر وعلى الكون بواسطة الكنيسة…

الكنيسة هى المحيط الذى فيه الله فاعل…

الله يحرّك الكنيسة، يحييها وينعشها بالحياة نفسها التى فيها، هذه الحياة التى كانت مسكوبة فى المسيح…

وتوزيع حياة المسيح والقوة التى فى المسيح يتممه الروح القدس عن طريق الأسرار…

 

السرّ فى الكنيسة – كأن نقول سرّ المعمودية، سرّ الميرون وسرّ الشكر …. – السر فى الكنيسة لا يعنى شيئًا آخر غير السرّ الإلهى القديم، الأزلى، الذى تكلّم عنه الرسول بولس، أعنى سرّ الحياة الإلهية، سرّ المحبة، سر محبة  الآب والابن والروح القدس…

وبالتالى، كيف تظهر محبة الله لنا بالأسرار؟، هذا هو الموضوع…

أسرار الكنيسة ماهى إلا نفس السرّ الذى ينكشف الآن، الذى يتحقق الآن…

وهذا السرّ الذى تحدّث عنه الرسول بولس فى الرسالة إلى أهل أفسس عندما قال:

[ أَنَّهُ بِإِعْلاَنٍ عَرَّفَنِي بِالسِّرِّ. كَمَا سَبَقْتُ فَكَتَبْتُ بِالإِيجَازِ.

الَّذِي بِحسَبِهِ حِينَمَا تَقْرَأُونَهُ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْهَمُوا دِرَايَتِي بِسِرِّ اَلْمَسِيحِ.

الَّذِي فِي أَجْيَالٍ أُخَرَ لَمْ يُعَرَّفْ بِهِ بَنُو اَلْبَشَرِ، كَمَا قَدْ أُعْلِنَ الآنَ لِرُسُلِهِ اَلْقِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَائِهِ بِالرُّوحِ:

أَنَّ اَلأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي اَلْمِيرَاثِ وَاَلْجسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي اَلْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ. ] [ أفسس 3: 3 6 ]…

ثم يكمّل:

[ وَأُنِيرَ اَلْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ اَلسِّرِّ اَلْمَكْتُومِ مُنْذُ اَلدُّهُورِ فِي اَللهِ خَالِقِ اَلْجَمِيعِ بِيَسُوعَ اَلْمَسِيحِ ] [ أفسس 3: 9 ]…

وهذا السر الإلهى نحن شركاؤه، نحن شركاء هذا الشئ الخفى فى أعماق الله وهو أن الأمم محبوبة كاليهود، أن البشر جميعا محبوبون ويدخلون فى ميراث الله…

أسرارالكنيسة، إذًا، هذا الإخراج لسرّ الله، هذا النقل وهذه الترجمة لهذه المحبة…

 

ولكن لهذه الأسرار كلها، وبالتالى، علاقة بحياة المسيح فى الجسد…

وهذا هو المهم جدًا فى البحث فى الأسرار…

هذه الحياة الإلهية الأزلية عاشها المسيح فى الجسد، هنا…

والروح يعطينا حياة المسيح كما عاشها هنا…

وبالأخير، إذًا، عندما نتكلّم عن أسرار الكنيسة السبعة فهذه كلها تكون إمدادات لحياة المسيح فى أيام تجسده، بحيث نعيش نحن فى الجسد ما عاشه هو فى الجسد…

 

* سر المعمودية :

1 – المعمودية موت وحياة:

سر المعموية ماذا يُخرج إلينا من حياة المسيح، ماذا يُترجم لنا؟…

هنا يمكن القول، أن المعمودية تترجم لنا كل حياة المسيح إذا كانت هذه الحياة تلخّص بكلمتين: موت وحياة…

حياة المسيح فى البشرية، من الميلاد إلى تمجيدها عند فجر الفصح، كلها موت وحياة، لأن المسيح وُلد لكى يموت ويُبعث…

طبعا، وضعه فى أقمطة وهذا المولد المتواضع وهذه المعمودية التى نالها من يوحنا فى الأردن وهذه الآلام المعنوية التى ذاقها من اليهود وهذه الاضطهادات، كل هذا، قبل صلبه من اليهود وبيلاطس، كان طريقا على الموت وكان، فى وقت واحد، إنبعاثا من موت…

معمودية يسوع فى الأردن كانت نزولاً تحت المياه وكانت خروجا من المياه وظهورًا للآب والروح عليه…

كذلك، التجلّى على الجبل كان تمجيدًا له، ولكنه، فى آن واحد، حسب رواية لوقا الإنجيلى، كان حديثا عن خروجه من أورشليم، أى كان إستعدادًا لموته:

[ وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً لاَمِعاً.

وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا

اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ اَلَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ.

وَأَمَّا بُطْرُسُ وَاَللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِالنَّوْمِ. فَلَمَّا اِسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ وَاَلرَّجُلَيْنِ اَلْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ.

وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: يَا مُعَلِّمُ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً وَلِمُوسَى وَاحِدَةً وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً . وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ.

وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذَلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي اَلسَّحَابَةِ.

وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ اَلسَّحَابَةِ قَائِلاً:  هَذَا هُوَ اِبْنِي اَلْحَبِيبُ. لَهُ اِسْمَعُوا .

وَلَمَّا كَانَ اَلصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَأَمَّا هُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَداً فِي تِلْكَ اَلأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ ] [ لوقا 9: 28 – 36 ]…

 

كل فصول حياة السيد هى إنبعاث من موت، مرافقة الموت للحياة…

من هذا القبيل المعمودية تعطينا كل المسيح ولهذا نقول أنها الميلاد الثانى…

هى الميلاد الثانى إذا قيس هذا الميلاد بميلادنا من أمتنا…

هذا هو المولود الأول فى الجسد، ولكننا نولد الآن ليس من لحم ودم ولا من مشيئة رجل بل من الله…

المسيح أعطانا أن نصير أولاد الله:

[ وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.

 اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ  ] [ يوحنا 1:  12، 13 ]…

الإنسان كان فى حالة الغضب، فى حالة اللعنة…

واللعنة تعنى الإقصاء عن البركة…

والبركة معناها إمداد الإنسان بحياة الله…

الإنسان أُقصى عن هذه البركات بالخطيئة…

هو جعل نفسه فى الظلمة وجعل نفسه فى العزلة عن الله وفى التشتت وفى التفتت، فى التجزئة، فى التلاشى وفى الإضمحلال…

هذه هى الخطيئة عمقا وكينونة…

فالإنسان من جديد يولد وكأنه لم يكن…

فى الواقع، لم نكن نحن شيئًا قبل المخلّص وقبل أن يتنزّل علينا بالمعمودية…

 

2 – المعمودية فى الديانات :

ماذا جرى فى المعمودية؟…

ماذا كان يجرى سابقا، قبل المسيح، بالمعموديات؟…

كان للناس فى كل الدنيا معموديات وفى كل الديرة…

والوضوء الإسلامى نوع من معمودية وهو يعنى إغتسالاً وتهيئة للصلاة…

رهبان قمران، على شواطئ البحر الميت، قبل مجئ المخلّص، كانت لهم أحواض يغتسلون فيها كل يوم أكثر من مرة…

عندنا، أيضا معمودية يوحنا كتهيئة للتوبة…

والدخلاء الوثنيون الذين كانوا ينضمون للدين اليهودى على يد الفريسيين، هولاء، أيضا كانوا يُعمّدون…

الحضارة البشرية، قبل المخلّص، هنا وهناك، كانت تعتمد تشوقا منها إلى طهارة كانت تتوق إليها…

كانت تتوقع هذه البشرية أن تنال طهارة…

والبشرية أحسّت أنها، من أجل هذه الطهارة تستعمل ماء…

طبعا، أن يُقال: هذا أمر طبيعى وبديهى جدًا كون الماء يغسل الجسم…

ولكن الفكرة كانت أبعد من هذا…

فالماء ملتبس المعنى فى الحضارات القديمة، أى ان له معنى مزدوجا وهو لا يعنى، دائما الطهارة…

الماء مخيف البحر مريع…

الماء يدل على الغرق، على الموت…

والماء، فى كل الحضارات، كان محيط الخطيئة، محيط الشر…

مثلاً، فى الفكر العبرى: ” لوياثان” التنين: هذا كان الوحش الأسطورى الذى فى الماء…

ولذا، فخواض البحر يقتل التنين، وما إلى ذلك من هذه الصورة الأسطورية…

الماء مخيف ثم الماء محيى…

فى التوراة خلق الله الدنيا من ماء:

[ فِي اَلْبَدْءِ خَلَقَ اَللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى وَجْهِ اَلْغَمْرِ ظُلْمَةٌ وَرُوحُ اَللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ اَلْمِيَاهِ ] [ تكوين 1: 1، 2 ]…

فى بداية التكوين، فى الأساطير البابلية، وأيضا فى القرآن: ” وجعلنا من الماء كل شئ حى”…

الماء هو المحيط الذى يخرج منه الكائن الحى…

الجنين يخرج من ماء…

إذًا، الماء مزدوج المعنى ملتبسه…

ولهذا فإتخاذ الإديان للماء لم يكن سببه فقط، أنه غاسل ولكن سببه هو أنه يميت ويحيى…

وإذًا، فالغسل، هنا، ليس شيئًا سطحيًا…

الغسل معناه أننا نموت بشكل ما…

 

عندما جاء المخلص لم يخترع رمز الماء ولم يخترع المعمودية…

وجدها قائمة عند أهل قمران ويوحنا المعمدان والفريسيين…

ولكن موقفه منها كان أنه عبأها، ملأها بمعنى جديد…

 

3 – المعنى المسيحى للمعمودية:

نعم، نحن نموت بالماء، ولكن أى موت هو المقصود؟…

ونحيا بالماء، ولكن أى حياة هى المقصودة؟…

فى أواخر إنجيل متى:

[ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ ] [ متى 28: 19 ]…

أى إجعلوا من جميع الأمم لكم تلاميذ وعمدوهم…

إذًا، فالمعمودية مرتبطة عند المسيح بأن الناس يصيرون بها تلاميذ له…

أذًا، يتعلمون الإنجيل ويأخذون من الإنجيل الإيمان:

[  مَنْ آمَنَ وَاِعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ ] [ مرقس 16: 16 ]…

 

الإيمان هو الخروج من أى وضع نحن فيه إلى الله…

يقول الله لإبراهيم:

[  اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى اَلأَرْضِ اَلَّتِي أُرِيكَ ] [ تكوين 12: 1 ]…

الإيمان هو، أيضًا، مجازفة مع الله…

هو أن يطرح الإنسان نفسه فى كائن لا يعرفه، ويعرفه على قدر ما يطرح نفسه فيه…

يذوقه بعد أن يرمى نفسه هناك…

إذًا، هناك موت بالنسبة إلى الحياة القديمة التى كان فيها، هناك إنسلاخ عنها…

شئ منا يموت…

نُغْرَق فى الماء…

وإذا متنا تأتى حياة جديدة ليست منا…

هنا كل الحديث عند يسوع عن الماء الذى هو يعطيه، فى ما قال للمرأة السامرية التى كانت تستقى من بئر يعقوب:

[  كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً ] [ يوحنا 4: 13 ]…

إذًا، شئ من الدنيا القديمة نتركه، نترك هذا العالم القديم، ندخل فى وضع جديد مع هذا العالم الجديد…

كلّ هذا ينكشف، فيما بعد، بصورة أوضح بعد أن قام المخلّص وحدثنا الرسول بولس عن هذه الحياة التى جاءت إلينا بالمعمودية حيث يقول فى الرسالة إلى أهل رومية:

[ أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اِعْتَمَدَ لِيَسُوعَ اَلْمَسِيحِ اِعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ

فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ حَتَّى كَمَا أُقِيمَ اَلْمَسِيحُ مِنَ اَلأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآبِ هَكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ اَلْحَيَاةِ.

لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ.

عَالِمِينَ هَذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا اَلْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ اَلْخَطِيَّةِ كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضاً لِلْخَطِيَّةِ ] [ رومية 6: 3 – 6 ]…

ما أود أن ألفتكم إليه، فقط، الآن، هو هذا أن اللفظة التى يستعملها الرسول باليونانية وقد ترجمت : أعتمد، يعتمد، معمودية… إلخ…

هذه اللفظة هى  Vaptiso ( أعمّد ) وهى تعنى، فقط، أغطس…

هذه كلمة عادية جدًا صارت، بعدئذ، مصطلحا مسيحيا…

من إعتمد ليسوع – اللام هنا هى، فى اليونانية، حرف جر وهو يعنى الحركة، أى إنتقل إلى يسوع بهذا التغطيس – إنما إنتقل إلى موته فدفن مع المسيح بالمعمودية…

مع هنا هى Préfixe  أى هى، فى لغاتهم، أداة توضع قبل الفعل…

ودفنّا معه تصبح، بهذا، فعلاً واحدًا عندهم، أى تصبح لفظة واحدة…

وإذا قرأ الواحد اللفظة – الفعل هذا الذى ركّبه الرسول بولس والذى ليس موجودًا فى اليونانية بلّ هو من إختراع بولس: دفن مع، فهذا بعنى أنه عندما دُفن المسيح كان معه الذين له، أى أن الذين له كانوا معه فى القبر…

إذًا، نحن عندما نعتمد فكأننا تخطينا الزمان وأبدناه وإنتقلنا هذه السنين الألفين، وكأنن، أيضًا، نحن الذين متنا مع المخلّص ودُفنّا معه…

إذًا، ما حصل ليسوع المسيح ربطنا مع المسيح…

ما حصل له هو، بالفداء، حصل لنا أيضا…

 

إن الحياة الإلهية التى كانت فى المسيح أبادت الموت، تفجرت فى الموت فحولته إلى حياة وقامت هذه الحياة من القبر لأنه لا يمكن أن يُضبط أساس الحياة وخالقها فى القبر…

بعد أن مات، لا يموت ولا يتسلّط عليه الموت…

 

يمكننا أن نقول، إذًا، أن المعمودية هى أن تتحقق فينا هذه الأشياء التى صارت، أن تُخرج…

فى الحقيقة، ليس هناك شئ جديد فى المعمودية…

المعمودية لم تبتدئ اليوم، هى إبتدأت آنذاك بموت السيد وقيامته…

إن موت المسيح وقيامته هما كحدث واحد من حيث الأصل والطاقة، لأن كل قيامة المسيح موجودة فى موته ولكنها تفجرت بعدئذ…

أى أن كل حياة المسيح كانت مسكوبة فيه عندما مات…

وهذه الحياة التى فيه هى مسجلة فينا نحن منذ أن مات وقام، أى هى مسجلة فى المؤمنين…

ولذلك، فعندما يُعمّد إنسان تخرج هذه الحياة، نؤديها، ونُعبّر عنها…

هى بالحرى، خلقة جديدة بالماء والروح…

هى إنكشاف لحياة المسيح فينا…

 لذلك، نقول : دُفِنّا – وهو فعل ماضٍ – معه للموت أى حتى الموت…

نحن نُدْفن حتى نموت، حتى، كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا فى جدة الحياة، فى حياة جديدة…

إذًا، هذه مشاركة كانت موجودة وحُققت الآن، وُزعت علينا هذه المشاركة، بالروح القدس، فى هذا السرّ…

 

القضية، إذًا، ليست قضية محو خطيئة…

هى ليست أن ثمة دَيْنا مكتوبا علينا يُمْحى فنصبح بلا دَيْن – هذا التصوّر العادى للمعمودية وهو أننا بها نصبح بلا دين، بلا خطيئة جدّية…

فى الحقيقة، إن الخطيئة الجديّة لا تورّث، أى لا تنتقل، ولكن الإنسان يولد ميتا، يُولد معرّضا للموت، حاملاً فى طيّات نفسه وجسده قوة الموت…

الإنسان هو فى حالة موت دائم، بمعنى أنه مقهور، منحدر، مهترئ…

هذا وضع نلاحظه…

الموت لم يأتِ…

هو لا يأتى ولا يذهب…

هذا ما يُلاحظ: الموت فى الإنسان…

هذا وضعه…

هو إنسان فى حالة إنحطاط…

كلّ إنسان هو مولود فى الإنحطاط، فى التقهقر، فى الإهتراء، فى السقوط، فى الظلمة…

إذًا، الموت طاقة فينا…

هذا ما سمّاه فرويد ” غريزة الموت”…

فعندما ينزل المسيح إلينا ويتحد بنا فى المعمودية يضع شيئًا ليس فينا، يضع قوة الحياة…

فقوة الحياة التى فيه تصارع قوة الموت التى فينا…

فإذا قبلنا الموت هو، نكون، فى نفس الوقت، قابلين إفناء موتنا نحن…

عندما نرتضى أن المسيح مات، أى عندما نسلّم إليه، إلى صليبه، إذ ذاك نكون غالبين لقوة الموت التى فينا…

المهم هو أنه يجب أن ندرك هذا حتى ندرك كل العمليه وإلا تبقى قضية سطحية…

وليس هناك كعمودية بدون إدراك ذلك…

 

كيف خلصنا يسوع المسيح؟…

خلصنا بأنه، وهو الذى لا يحتمل الموت ولا يُحكم عليه بالموت ولا يموت ولا يستطيع أن يموت لأنه بار، والبار لا يموت، إرتضتى الموت…

كل عملية الفداء متعلقة بهاتين الكلمتين…

المسيح الذى لا يستطيع أن يموت أراد أن يموت…

فإذًا، هو أدخل الموت طوعا إلى ذاته…

فالموت الذى كان ضرورة على الجنس البشرى، إقتبله هو طوعًا…

أطاع الله بهذا…

لكونه خضع بإرادته للموت، كان فوق الموت…  

لكونه أطاع الموت، صار فوق الموت وصار غالبا له، هو سيد الموت…

لكونه أطاع الله حتى الموت، موت الصليب، رفعه الله إليه: ” متوفيك ورافعك إلىّ”…

رفعه الله إليه وأعطاه إسم فوق كل إسم…

ترجمة هذا الكلام فى اللغة العصرية تعنى: أعطاه قوة فوق كل قوة وحضورًا فوق كل حضور، ونفاذًا فوق كل نفاذ…

وإذًا، حياة المسيح كانت فيه – وهى حياة الله فى المسيح فى هذا الجسد – منذ ان قبل الموت…

بكلمة أخرى، كان المسيح منبعثا منذ أن إرتضى الموت…

قوة الإنبعاث كانت فيه آنذاك…

هذا يعنى أنه، عندما كان المسيح على الصليب، بعد أن مات، لم تكن ثمة لحظة من لحظات الزمان كان المسيح فيها مغلوبا ولا يمكن أن يُغلب…

من المهم تأكيد أنه ليس هناك لحظة زمنية كان المسيح فيها ميتًا وعبدًا للموت…

إذًا، هذا يعنى أنه مات وقام فى نفس الوقت…

ليس هذا أنه رُئى حيًا، كلا، لم يُرَ حيًا ولكن فى حقيقة الأمر، كان حيًا…

رُئى حيًا بعد ثلاثة أيام، فى اليوم الثالث، فى القيامة التى هى كشف لهذه الحياة التى فيه وإذاعة لها وبثا لها على الكون وإشراكا للمؤمنين فى قوة الفداء…

من هنا قول الرسول بولس: ” دُفنّا معه للموت” وهذا يعنى أنه ربانا فى الموت بالمعمودية، حتى، كما أقيم، نقوم نحن أيضًا فى جدة الحياة…

نحن أيضًا عندما إرتضينا المعمودية ونرتضيها بعد أن تمت، أى نرتضيها طيلة العمر – المعمودية تُرتضى وتُرفض – فإرتضاؤنا لها يعنى أننا قبلنا هذا الموت…

قبلنا موت المسيح وقبلنا أن نموت عن الخطيئة…

وبلغة أخرى، أن نميت الخطيئة فينا، وبهذا نفصل كياننا الحقيقى الجوهرى عن الخطيئة…

عندما يقول الرسول بولس: ” أن نموت عن الخطيئة”، فهذا لأن الإنسان، فى أصله، حرّ من الخطيئة…

والرسول إعتبر الخطيئة جسم غريب، دخيل نموت عنه…

إذًا، فى اللحظة التى نُعمّد فيها، نموت ونقوم، نحصل على الحياة الجديدة بالمثل…

وإذا كانت فينا الحياة الجديدة فالخطيئة تزول…

إذًا، فزوال الخطيئة فين وزوال قوة الخطيئة فينا هو نتيجة للحياة الجديدة…

الحياة الجديدة تأتى مثل الطعم…

والطعم إذا أتى يحارب الجرثومة…

 

الحياة الجديدة التى تنسكب من المسيح علينا بالروح القدس فى الكنيسة هى التى تطارد قوة الموت…

فإذًا، نحن فى مطاردة لقوة الموت عن طريق الحياة الجديدة…

وهذا ما نحياه بوجه عام، فى العمر كلّه…

حياتنا هى إفناء للموت، إماتة الموت، إماتة الخطيئة، إماتة كل قوة القهر والظلم والخنوع والذل وكل ما هو فساد…

وهى مطاردة الفساد بقوة الحياة التى إنكشفت وتفجّرت…

 

* ملحق :

معمودية الأطفال

لللأب/ نقولا أفاناسييف

1 المسألة :

تتوجه البشارة المسيحية إلى الناس كافة حتى يقدر كل منهم أن يؤمن بابن الله وأن يدخل فى الكنيسة إذا تاب…

والإيمان والمعمودية يتطلبان ذلك الرشد الذى يضمن العلاقة الواعية بسر المعمودية عند الداخل إلى الكنيسة…

والكنيسة تقبل فقط أولئك الذين ادركوا الغاية والمعنى من إنضمامهم إليها…

فهل يتبع هذا أن الأطفال والأولاد يجب أن، ويقبلوا فقط إذا بلغوا ذلك الرشد وبمكن تعميدهم وفق رغبة ذويهم؟…

 

ويبدو أن هناك ما يجعلنا نظن أن مسألة المعمودية كانت مطروحة فى العصر الرسولى وكانت تثار من وقت إلى آخر بصورة ماسة…

ولكن بلغت حدتها فى زمن المناظرات البيلاجيوسية…

وبنتيجة هذه المناظرات ثبتت ممارسة معمودية الأطفال…

ولكن المسالة لم تطرح جانبًا بصورة نهائية…

وفى الأزمنة الحديثة ظهرت ظهرت بصدد هذ المسألة تيارات متشعبة…

 

2 – معمودية الأطفال فى العصر الرسولى:

ليس لدينا من العصر الرسولى معطيات إيجابية تجعلنا نؤكد الصورة التى حلت فيها قضية معمودية الأطفال فى الكنيسة الأولى…

أن الشهادات التى لدينا لا تخولنا الحق فى أن نؤكد أن معمودية الأطفال كانت تُكمّل فى العصر الرسولى الأول ولا تُكمّل…

لقد ذكرت فى أسفار العهد الجديد معمودية بعض العائلات:

عماد بطرس لكرنيليوس [ أعمال الرسل 10]…

معمودية ليديا وأهل بيتها [ أعمال 16: 15 ]…

معمودية السجان وأهل بيته [ أعمال الرسل 16: 33 ]…

معمودية كريسيوس رئيس المجمع وكل أهل بيته [ أعمال الرسل 18: 8 ]…

ومعمودية بيت إسطفانوس [ 1 كورونثوس 1: 16 ]…

ومن العسير أن نذهب إلى أن هذه البيوت المعمدة كلها كانت خالية من الصغار…

كذلك لا نستطيع الجزم بأنهم كانوا موجودين…

فلو كنا عارفين أن الرسل عمدوا أولادًا لقلنا بتأكيد أن الصغار، فى حال وجودهم، عمدوا ولكن من كون بيوت كرنيليوس وليديا والسجان تعمدت لا نستطيع إطلاقا أن نستنتج أن الرسل عمدوا أولادًا…

 

3 – معمودية الأطفال فى العصور الأولى:

أما فى العصر اللاحق للعصر الرسولى فممارسة معمودية الصغار مشهودًا لها كثيرًا…

فإن أوريجانوس يشهد بأن:

” الكنيسة تقلّدت من الرسل أن تمنح المعمودية أيضًا للأطفال” [ فى الرسالة إلى الرومانيين 5: 9 ]…

ونعلم أن الأطفال فى القرن الثانى عُمّدوا شرقا وغربا…

بذا يشهد إيريناوس [ ضد الهرطقات 2، 33: 2 ]، وترتليانوس [ فى المعمودية، 18 ]…

وفى القرن الثالث، فى كنيسة روما، كانت معمودية الأطفال ظاهرة مألوفة…

وفى ” التقليد الرسولى” إشارة إلى أنه يجب تعميد الأطفال قبل البالغين…

وقد كان يؤتى بالأولاد إلى المعمودية فى سن مبكرة جدًا…

ويتضح هذا مما أشار إليه هيبوليتوس الرومانى بأن الوالدين والأقارب يستطيعون أن يعطوا جوابا أثناء المعمودية [ التقليد الرسولى 21: 4 ]…

وإذا أتاح ” التقليد الرسولى” مجالاً للشك فى السن التى فيها يؤتى بالأولاد إلى المعمودية ففى أيام كبريانوس القرطاجى كانوا يقولون بأنه لا يجوز إرجاء المعمودية إلى ما بعد اليوم الثامن [ الرسالة ال 64 ]…

فى القرن الرابع لم يتغيّر الموقف من معمودية الأطفال…

وكما يتضح من شهادة يوحنا ذهبى الفم [ الموعظة 11، 17: 28 ]، وأمبروسيوس [ فى إبراهيم 2، 81 ]، كانت معمودية الأطفال نظاما شائعا…

وفى القرن الخامس ثبتت المناظرات البلاجيوسية نظام معمودية الأطفال، ” إنه من الحماقة أن نعلم أن الأولاد يستطيعون أن يرثوا الحياة الأبدية دون المعمودية”، هكذا قال البابا أينوكنديوس الأول عن نتيجة هذه المناظرة…

 

وفى الغرب ثبت رأى كبريانوس القرطاجى بمجمعه فى أن المعمودية يمكن ان تكمّل مباشرة بعد الولادة…

أمّا فى الشرق ففى القرن التاسع كانوا أيضا يذهبون إلى أنها تكمّل فى اليوم الأربعين…

ثم زال الفرق بين العرف الغربى والعرف الشرقى تدريجيًا…

ولكن ثبت فرق آخر، ففى الشرق رافق معمودية الأطفال والأولاد إتمام سرّ مسحة الميرون وبعده يعلن الطفل مستحقا للإشتراك بسر الشكر ” الفائق القداسة والكمال”…

أمّا فى الغرب، ففى القرون الوسطى فصل التثبيت عن المعمودية وأخذ الأسقف يكمله على الأولاد فى سن الحادية والثانية عشرة وكانت المناولة الأولى تتبعه…

ولكن فى الكنيسة الأرثوذكسية يتم قبول الأطفال فى الكنيسة قبولاً كاملاً بالمعمودية والميرون…

 

4 – الأساس التاريخى واللاهوتى لمعمودية الأطفال:

وإن كانت معمودية الأطفال نظاما شائعا فى القرن الثانى فمن الطبيعى الظن بأنه لم ينشأ فى العصر اللاحق للرسل ولكنه كان تكميلاً النظام العصر الرسولى…

فنحن نعود هكذا ثانية إلى هذا السؤال:

هل كان الرسل يتممون معمودية الأطفال أم لا؟

وإذا كنا بدون أدلة تشير إلى ذلك فى أسفار العهد الجديد فهل ينبغى أن نزهد بحلّ مسألة جوهرية كهذه؟…

أن خلاء الأدلة الواحدة فى أسفار العهد الجديد طبيعى بالكلية لأن العدد العديد من المتعمدين كانوا من البالغين…

أن مسألة تعميد الأولاد يمكن ان تُطرح فقط فى الجيل المسيحى الثانى ولكن عندما طُرحت فى ذاك الزمن كان التقليد الكنسى فى هذا الموضوع متراكما…

من خلاء الأدلة المباشرة عن معمودية الأطفال فى العهد الجديد ينبغى أن نخرج بالتعليم عن المعمودية من جهة وبنظام معمودية الدخلاء عند اليهود ونظام الختان من جهة اخرى…

وبكلمة أخرى، المسألة فى هل يتوافق نظام معمودية الأطفال مع التعليم عن سرّ المعمودية؟…

وهل ينسجم مع نظام الختان وقبول الدخلاء؟…

[ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ يَهُوداً كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ عَبِيداً أَمْ أَحْرَاراً. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَاحِداً ] [ 1 كورونثوس 12: 13 ]…

إن الدخول فى الكنيسة لهو الدخول فى جسد المسيح، وأعضاءه صرنا فى المعمودية…

هذا الدخول يجب أن يسبقه الإيمان والتوبة والتوبة والإيمان، وعليهما يُبنى الإختيار الروحى لمن يرغب فى الدخول إلى الكنيسة…

ومع هذا لا الإيمان وحده ولا التوبة وحدها ولا الإختيار الحرّ قادر أن يجعل من الراغب فى الإنضمام على الكنيسة عضوًا فى جسد المسيح…

إن الكنيسة لا تسجّل الراغبين فى الدخول إليها إن وَجدت فيهم الإيمان والتوبة ولكنها تكمّل سرّ المعمودية عليهم، الإنضمام إلى الكنيسة يكمّله الروح القدس الذى يرسله الله فى سرّ المعمودية…

الكنيسة هى مكان فعل الروح القدسن ولذا تُجرى المعمودية فى الكنيسة وهى التى تجريها بالإستقلال عن المعتمد ولو بناء على إختياره الحرّ…

المعمودية هى جواب الكنيسة عن إيمان الراغب فى الدخول إليها ولكن المعمودية نفسها تقتضى أن يتبعها إيمان المعتمد جوابا منه عن معموديته…

الدخول فى الكنيسة ممكن فقط بالإيمان بابن الله الذى أحب المعمد واسلم نفسه من أجله…

 الإيمان السابق للمعمودية يفرض الإيمان اللاحق إنفتاحا كاملاً له…

 

الحياة فى الكنيسة تبتدئ بوقت المعمودية بواسطة الإشتراك فى سرّ الشكر…

بدون هذا الإشتراك تظل المعمودية غير ومحققة…

وبدورها الحياة فى الكنيسة غير ممكنة بدون المعمودية…

 

هكذا نصل إلى العبارة ” الإيمان – المعمودية – الإيمان” وتبدو هذه العبارة إلزامية إطلاقا لكلّ الداخلين فى الكنيسة…

إن الشطر الأول والشطر الثالث من هذه العبارة يتعلّقان بالإنسان، امّا الشطر الثانى وهو الرئيسى فلا يتعلّق به، بلّ يكمّله الروح القدس بالكنيسة…

[ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ …]…

الإيمان السابق يفتح إمكانية تكميل المعمودية…

أمّا الإيمان اللاحق فهو الشرط لإمكانية الإشتراك فى الإفخارستيا…

 

إن الولادة الطبيعية من والدين يهوديين تعين إنتساب الأولاد إلى شعب العهد القديم المختار إلا أن الولادة الطبيعية وحدها لم تكن بكافية لتجعلهم أعضاء فى الشعب الذى اقام الله معه عهدًا…

فكان ختم الختان وحده يجعل المولود من أبوين يهوديين عضوًا حقيقيا فى شعب الله…

وفى اليهودية كان الختان يُنظر إليه كولادة جديدة ترافق الولادة القديمة…

وأن معنى الختان كعلامة إنتساب للشعب المختار ينطلق من هذا أن الوثنيين كانوا قادرين أن يصبحوا أعضاء فى شعب الله عن طريق الختان…

وكان يتمّ عليهم على أساس إيمانهم وحرية إختيارهم…

[ وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْماً لِبِرِّ الإِيمَانِ الَّذِي كَانَ فِي الْغُرْلَةِ لِيَكُونَ أَباً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضاً الْبِرُّ ] [ رومية 4: 11 ]…

ولابد هنا ان نلاحظ أن ختان الأمميين كان يرافق ” غسل التطهير” الذى كان يجرى للرجال والنساء…

وأثناء ختن الدخلاء كان صبيانهم يختنون…

وأما ” غسل التطهير” فكان يجرى للبالغين والأولاد المولودين قبل ختانة الأب…

أمّا الأولاد الدخلاء المولودين بعد الختانة فما كانو خاضعين ل ” غسل التطهير”…

 

أن عصر الولادة الطبيعية لم يكن له معنى فى العصر الرسولى للدخول إلى الكنيسة…

فكان الأمم واليهود يتنصرون ” بختم” سرّ المعمودية…

فكما كان الختان، كانت المعمودية ختم الإنتساب إلى شعب الله…

إن المقارنة بين المعمودية والختان ظاهرة عند الرسول بولس:

[ وَبِهِ أيْضاً خُتِنْتُمْ خِتَاناً غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ ] [ كولوسى 2: 11 ]…

بقوة هذه المقارنة استبدل الختان المصنوع بيد البشر بختان غير مصنوع بيد…

 

لقد أعوز الأمم واليهود ” غسل التطهير” ليصبحوا يفعل الروح القدس أعضاء فى جسد المسيح…

عليهم ان يولدوا من فوق، من الروح القدس لينتسبوا للعهد الجديد…

إن المعمودية ولادة روحية وبدونها لا حياة فى الكنيسة…

وقد حسم الرب يسوع سرّ المعمودية فى مقابلته مع نيقوديموس قائلاً:

[ فَقَالَ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ .

قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟

أَجَابَ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ.

اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ.

لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ.

اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا لَكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هَكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ ] [ يوحنا 3: 3 – 8 ]…

 

5 – الولادة الطبيعية من أبوين مسيحيين دعوة إلى العماد:

كان لا بد لعنصر الولادة الطبيعية أن يدخل فى حيّز الوجود فى الجيل المسيحى الثانى فيما يتعلّق بمعمودية الأولاد المولودين من أبوين مسيحيين…

إن النظام المسيحى، آنئذ، كان يوجهه نظام الرسل الأول عندما شرعوا يعمدون العَيل ( العائلات )…

إن حالات التعميد لعائلات كاملة كما هى موصوفة فى سفر الأعمال ما كانت نادرة…

إن المقارنة بين المعمودية والختان أوحت إلى الرسل وصحبهم أن يكملوا فى آن واحد معمودية البالغين والأولاد…

وإنّا لواجدون فى بولس الرسول ما يثبت ذلك عندما يقول:

[ لأَنَّ اَلرَّجُلَ غَيْرَ اَلْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي اَلْمَرْأَةِ وَاَلْمَرْأَةُ غَيْرُ اَلْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي اَلرَّجُلِ – وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ. وَأَمَّا اَلآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ ( Aghia )  ] [ 1 كورونثوس 7: 14 ]…

فمن كلام بولس الرسول يتضح أن لعنصر الولادة الطبيعية علاقة مباشرة بالإنتساب إلى الكنيسة ولفظة ” أجيوس” التى يضعها بولس الرسول للأولاد من أب مؤمن وأم مؤمنة تعنى أنهم ينتسبون لشعب الله. أى أنه يفتح لهم أبواب المعمودية : إنهم مقدسون فإذًا قد إعتمدوا…

 

إن اللاهوت العقائدى يؤكد أن معمودية الأطفال تكمل يناء على إيمان الوالدين :

{ أما ما يختص بالأطفال فهم غير قادرين أن يكون عندهم إيمان وتوبة ولا أن يشهدوا لهما  قبل المعمودية فإنهم يتعمدون يناء على إيمان والديهم وإشبينهم الذين يتلون عوضا عتنهم قأنون الإيمان وجحد الشيطان وكل أعماله متعهدين أمام الكنيسة بتنشئة الأولاد فى الإيمان وحسن العبادة إذا ما بلغوا السن }…

 

إن إيمان الوادين هو حقيقة شرط إمكانية تكميل معمودية الأولاد…

فى العبارة ” الإيمان – المعمودية – الإيمان ”  الإيمان السابق عند المعتمد يقوم مقامه عند الولد كونه إبنا لوالدين مؤمنين…

الكنيسة تنتمى إلى الدهر الآتى ولكنها قائمة فى الدهر الحاضر…

والولادة الطبيعية عنصر طبيعى متعلق بالدهر الحاضر ولكن من أجل العائشين فى الكنيسة فإنها عنصر كنسى…

الولادة الطبيعية تجر إليها الولادة الروحية للدهر الآتى…

الولادة من أبوين مسيحيين شهادة تعطى للكنيسة أن نقول أن الله يدعو أولاد هذين الأبوين إلى الكنيسة…

ولذلك لا نستطيع أن نقول أن معمودية الأطفال تخرق حرية إرادتهم لأن الإرادة الحرة غير موجودة إطلاقا عندهم ونحن لا نقول ان الولادة الطبيعية تخرق الإرادة الحرّة عندهم…

ومن هنا تنبثق نتيجة أساسية تتعلّق بمعمودية الأطفال والأولاد…

إنها تكمل فقط لأولاد الأشخاص القائمين فى الكنيسة لأن قيام الوالدين فى الكنيسة يمكن أن يقوم مقام إيمان الطفل المعتمد…

ففى حالة معمودية الأطفال المولودين لأبوين غير مسيحيين ليس من إيمان سابق لأن إيمان الإشبين لا يستطيع أن يملأ فراغ الإيمان عند الأولاد

 

المولود لأبوين مسيحيين يدخل إلى العالم والله يدعوه إلى الكنيسة…

بالمعمودية المكملة فى الكنيسة يصبح عضوًا فى شعب الله…

إن حياته العاملة فى الكنيسة تتعلق بإيمانه اللاحق…

وهذا هو جواب من تعمد فى الطفولة عن نداء الله…

وبآن واحد هذا الإيمان هو جوابه للكنيسة التى عمدته على أساس نداء الله إليه…

وهذا الجواب يمكن ان يكون إيجابي وسلبيا…

ولكن فى هذه الحالة وتلك يظل عضوًا فى الكنيسة…

وكما يستحيل محو الولادة الطبيعية هكذا يستحيل محو الولادة الروحية…

وبقوة ولادته الروحية يعترف انه مقيم فى الدهر الحاضر وأنه ينتمى بآن واحد إلى الدهر الآتى…

على المعتمد نفسه أن يحقق إنتسابه إلى الكنيسة وان مسئولية هذا التحقيق ملقاة ليس فقط عليه ولكن على الكنيسة التى على أساس إيمان والديه كملت معموديته، ثم تقع هذه المسئولية على والديه…

Posted in عقيدة مسيحية | Leave a Comment »

مدخل إلى العقيدة المسيحية- الكنيسة

Posted by mechristian في أوت 11, 2007

 

مدخل إلى العقيدة المسيحية

د.كوستى بندلى ومجموعة من المؤلفين

الفصل الثامن: الكنيسة

الفصل الثامن: الكنيسة.

* الروح القدس يحقق الكنيسة جسد المسيح :‏

* الكنيسة شركة المؤمنين فى مواهب الروح :

* الإكليريكى والعلمانى وعضوية شعب الله :‏

* مواهب الروح ومعية الكنيسة :

* شركة المواهب وشركة المائدة :‏

* القداسة هى الهدف :‏

*معية القديسين:‏

* شفاعة القديسين :‏

* يسوع المسيح الشفيع الوحيد :


الفصل الثامن

الكنيسة

” ..وبكنيسة واحدة، مقدسة، جامعة، رسولية…”

 

 

* الروح القدس يحقق الكنيسة جسد المسيح :

فى الكنيسة مهمتان: مهمة للمسيح ومهمة للروح القدس…

فالمسيح بتجسده، بأبعاد التجسد الكاملة أى الفداء والقيامة، وضع الأساس…

[ فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ اَلَّذِي وُضِعَ اَلَّذِي هُوَ يَسُوعُ اَلْمَسِيحُ ] [ 1 كورونثوس 3: 11 ]…

 

والأساس يصل إلينا نحن عن طريق الكلمة أيضًا، الكلمة المعبّر عنها بشتى المظاهر أى الإنجيل مقروءً، مدروسً، ممثلاً ومسكوبًا فى طقوس، فى خدمة وفى عبادة…

هذا هو الأساس…

 

هذا الأساس ينقله الروح القدس ويبنى عليه…

الروح القدس هو الذى ينشئ فى العتالم هيكل الله أى الكنيسة…

هيكل الله، حضور الله فى العالم، مؤسس وقائم على هذه الكلمة الواردة إلينا فى الإنجيل والتى ظهرت، أولاً، بشخص يسوع،…

وهذا الهيكل له نمو بالروح القدس الذى يشكل فى هذا العالم جسد المسيح…

أى أن هذه الكنيسة هى جسد المسيح…

أى هى محضر المسيح ومكان تجلّيه…

من هنا أنه يوجد عملان لا ينفصلان:

عمل المسيح البنيانى، الأساسى، ثم عمل الروح القدس الذى لا يأتى بمسيح جديد، بل يشكل المسيح فينا، ونفتحته هى التى تنشئ هذا المسيح فينا…

لهذا كانت الأسرار وهى مبنية على كلمة المسيح ولكنها محققة بالروح القدس…

مثال على ذلك:

المسيح عندما قال ” … خذوا كلوا هذا هو جسدى … واشربوا منه كلكم هذا هو دمى … لمغفرة الخطايا”، أسس سرّ الشكر…

كلامه هذا هو كلام التأسيس الذى أوجد هذا السر…

أما اليوم، بعد صعود المسيح، فالروح القدس هو الذى يبنى على هذا الأساس…

أى هو الذى يحوّل الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دمه…

إذًا، فالمسيح يظهر ويشكل إنطلاقًا من خبز وخمر، بنفخة الروح القدس وبنزول هذا الروح على القرابين وعلى الجماعة…

كما أن كلام الله للإنسان فى الفردوس:

” تكثران وتملآن الأرض” أسس الزواج فجعله ممكنًا، إلا أن إتصال الرجل بالمرأة هو الذى يحقق كلمة الله…

الروح القدس هو، إذًا، المحقق لحضور المسيح…

 

* الكنيسة شركة المؤمنين فى مواهب الروح :

هذا الروح هو الذى يوحّد أعضاء الكنيسة وقد صاروا أعضاء فيها بالمعمودية…

ولكن يجب أن تتعمق عضويتهم وأن يقوى إنتسابهم للمسيح بالقداسة…

ما كانت المعمودية سوى مدخل إلى الكنيسة، ولوج إليها…

ولكن لايصل الإنسان إلى ملء قامة المسيح، أى لا يحقق الإنسان فى نفسه كل أبعاده المسيحية، كل قامته إلا بالنمو اليومى الدائم بالروح القدس…

ومعايشة المسيحيين بعضهم بعضًا وتساندهم بالمحبة هما اللذان يجعلان هذه الكنيسة شركة الروح القدس…

يقول الرسول بولس:

[ نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس لتكن معكم ]…

من هنا أننا نصبح جسدًا للمسيح أى نصبح واحدًا له ومتجلى وإمتدادًا ليس فقط بالمعمودية ولكن على قدر هذا النمو الذى هو، أصلاً، حصيلة الميرون…

هتذا يعنى أن نموّنا يأتى بالميرون وأننا به ندخل فى الميثاق مع الله…

فكما أن الإنسان فى العهد العتيق كان يولد وفى اليوم الثامن يُختن أى يدخل فى ميثاق الله، هكذا، فى العهد الجديد، يولد الإنسان للمسيح بالمعمودية ولكن بالميرون يدخل فى ميثاق الله أى العهد…

معاهدة الله بهذا السرّ وختم الله علينا، ختم موهبة الروح القدس…

 

روح القداسة هو الأقنوم الثالث…

وهذه القداسة تتمّ عن طريق توزيع المواهب المختلفة…

الكلمة المستعملة فى اللغة اليونانية والتى ترجمت فى العربية بكلمة موهبة Charisma وهى مشتقة من لفظة Charis  أى النعمة…

والنعمة تعنى، طبعًا، العطاء المجانى، أى أن الواحد يعطى الآخر لقاء لاشئ…

Charisma تعنى، حرفيًا، حصيلة النعمة فينا وهى التى ترجمناها ب ” موهبة”…

وكلمة موهبة، فى العربية، تدل على الفاعلية والمفعولية…

تدل على المواهب ” الله الواهب” – ولهذا يُقال أن فلانًا عنده موهبة للدلالة بذلك على أن الله هو الواهب -، وعلى الشئ الموهوب…

والمقصود ب Charisma هنا هو هذا العطاء الذى وُهبه الإنسان من الروح القدس، بل إن هذا العطاء هو الروح القدس نفسه…

ومعنى هذا أن عطاء الروح القدس لنا ليس شيئًا خارج الله، مستقلاً عنه ولكنه قوة تفيض من الله نفسه…

لذلك، كل من أخذ موهبة فقد أخذ الله: ” أخذنا الروح السماوى”، ولكن الله له مفاعيل مختلفة…

 

* الإكليريكى والعلمانى وعضوية شعب الله :

يصف بولس الرسول، فى رسالته الأولى إلى أهل كورونثوس، مواهب الروح القدس…

[ فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجودَةٌ وَلَكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ.

وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ.

وَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.

وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ.

فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ.

وَلآِخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحدِ. وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ.

وَلآخَرَ عَمَلُ قوَّاتٍ وَلآخَرَ نُبوَّةٌ وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ وَلآخَرَ أَنوَاعُ أَلْسِنَةٍ وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ.

وَلَكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ ] [ 1كورونثوس 12: 4 – 11]…

وثمة فى مواضع أخرى ذكر لموهبة الشفاء، مثلاً، وموهبة التدبير وموهبة ترجمة اللغات وموهبة النبوّة وما إلى ذلك…

هناك، إذًا، مواهب متعددة ومنها الموهبة العامة التى هى أن يكون الإنسان عضوًا فى شعب الله، ويسمّى فى العامية علمانيًا…

وربما أتت هذه اللفظة من السريانية ” عُولِم”…

وهى فقط من علم أى الاهتمام يأمر هذه الدنيا…

العلمانى، فى العامية، تعنى من ليست له علاقة بالعلوم اللاهوتية الروحية ولكنه يتعاطى العلم الاعتيادى…

وإذا أتت من ” عُولِم” فهى تعنى من يتعاطى شؤون هذه الدنيا…

هذا التفسير لكلمة علمانى خاطئ، طبعًا، وهو صادر عن التفكير اللاهوتى الغربى…

علمانى تعنى Laicos وهذه كلمة يونانية مشتقة من Laos التى تعنى شعب…

و

Laicos اليونانية تعنى العضو، ومن الأفضل تعريبها بكلمة ” عامّى” أى بالنسبة لعامّة الشعب…

وهكذا فإن العامى، أى الذى من الشعب، هو عضو فى الشعب الإلهى، والحقيقة أن كل إنسان، حتى الإكليريكى، عضو فى الشعب الإلهى، الإكليريكى عامى أيضًا، والقول الذى شاع فى هذه البلاد، وهو أيضًا هناك إكليريكيًا وعلمانيً، قول لا أساس له…

فكل من نال الميرون صار من شعب الله، والاكليريكى عندما صار إكليريكيًا لم يبطل أن يكون من شعب الله أى علمانيًا…

 

ضمن هذه الشركة المواهب متنوعة، الله ينوّعها…

هو الذى يجعل كلاً منّا عضوًا فى شعب الله، وهو الذى يعطى الحياة الأبدية للمؤمنين، أى أن حياة الله فيهم يعطيها هو بدفق دائم…

وإذا تآزرت هذه المواهب تتشكل الكنيسة…

أى يخرج المؤمنون من كونهم جماعة زمنية تعيش فى هذا التاريخ، جماعة سوسيولوجية، يخرجون من وضعهم الاجتماعى إلى وضع أبدى…

أى أنهم يأخذون حجمهم الإلهى عن طريق الروح القدس…

أى كما أن ثمة قوة فيهم حتى يشهدوا فى العالم، هكذا أيضًا، وبعكس ذلك، فيهم قوة حتى يتصفوا من تقلبات هذا العالم، من خطايا هذا العالم ليصبحوا شعبًا لله…

وعلى قدر ما يصيرون شعبًا لله يعودون ليشغلوا فى هذا العالم باستقلال عنه، أى تكون هناك، بينهم وبين العالم، فسحة من الحياة الأبدية…

فالحياة الأبدية التى فيهم تجعلهم يحكمون فى شئون هذا العالم ويوجهونه…

 

ولكن ثمة وجهًا إلى الله أولاً…

الروح القدس هو الذى يوجهنا إلى الله…

يوجهنا تعنى، فى العربية، يلفت وجوهنا إلى الله، يديرها حتى تتطلع إليه…

وعلى قدر ما تنظر هذه الوجوه باتجاه واحد، على هذا القدر، نكون كنيسة…

نصبح كنيسة على قدر ما يلتفت وجه كل واحد منا ليتطلع إلى الله…

ولكن، عندما نتطلع إلى الله ونحن نمارس الخدمة، تبقى لكل من موهبته الخاصة…

عندنا جميعًا موهبة العلمانية،أى موهبة الميرون، وهى أن نكون مختومين لله، محفوظين للمسيح، مخصصين له…

فإذًا، إذا كنا نحن مختومين ليسوع المسيح معنى هذا أننا ننفتح له فقط، فبهذا الاتجاه الواحد إلى الله، ونحن فى هذا العالم، نشكل الكنيسة…

الكنيسة إذًا، هى، دائمًا، متجهة إلى الله الآتى إليها، وهى، بسبب الخدمة من أجل تحويل هذا العالم، متجهة على العالم…

 

* مواهب الروح ومعية الكنيسة :

من هنا أنن نحتمل بعضنا بعضًا، كما يقول الرسول بولس فى رسالته إلى أهل رومية، ليس لمحاكمة أفكار، ونحمل بعضنا لاثقال بعض ولا ندين أحدًا بل نقبل الموهبة التى فى الآخر…

نقبل، مثلاً، أن فلانًا واعظ كبير وأن فلانا مدبّر صالح…

ولذلك، لا يفتش الواعظ الكبير عن أن يصبح مدبرًا أى إداريًا، وإذا فعل ذلك فإنما هو يضيع وقته لأن الروح القدس لم يعطه هذه الموهبة…

وايضً، لا يفتش الإدارى الكبير عن أن يصبح واعظًا…

الإنسان لا يستطيع أن يأخذ شيئًا لم يعطه إيّاه الله، أساسًا…

تبقى هناك، طبعا، جهود بشرية…

كل الأمور التى بمتناول الإنسان يجب السعى إليها…

الوعظ، مثلاً، يُتعلّم كتقنية، كفن، ولكن قد يستمر الواحد عشرين سنة فى تعلّم الفن وقد يُتقن خطابا سياسي وأدبيا دون أن يتوصّل إلى إتقان عظة دينية إذا لم تكن عنده النفحة لذلك…

 

الأسقفية، أساسًا، تجمع مواهب فى الكنيسة مختلفة كالتعليم والإدارة، وما إلى ذلك…

والأسقفية ليست سلطة وإمتيازًا ولكنها موهبة…

والإنسان لا يعمل، فى الأساس، شيئًا حتى ينال الموهبة…

فهو لا يستطيع أن يصنع نفسه كاهنا…

فإمّا أن يكون من بطن أمه كاهن ولا يكون…

وهو يستطيع أن يكتشف ذلك فيما بعد إذا كان موهوبًا له، والبطريرك يقول له ذلك والكنيسة جمعاء تستطيع أن تقول له ذلك…

يبقى أن أصحاب المواهب يتبنّون بعضهم بعضًا، يقبلون بعضهم بعضًا ويقبلون تنوعّهم…

هذه عملية من أصعب ما فى الدنيا: ان أقبل أن يكون فلان إداريصا بينما أنا لست إداريا، وأن يكون فلان معلما بينما أنا لست معلما…

والخطأ يكون عندما يهيج كل منا نفسه ليجمع المواهب كلها…

نحن نقبل التنوع لأننا نقبل الله مصدرًا للكلّ…

 

لا شك أنن، فى الكنيسة، حتى نكون معية يجب أن ننمى المواهب فى كل إنسان…

فالذكى مثلاً يجب أن لا نطمسه حسدًا ولكن نظهره لأن المسيح يستفيد من ذكائه، ولأن القضية التى نحملها تنجح بالاشتراك…

بالمحبة، إذًا، والتشجيع نجعل الآخرين يتقدمون…

إذا كانت تهمنا، فعلاً، مصلحة المسيح، فيهمنا بالتالى أن يبقى فلان تقيًا لا أن نقص له حواجبه وننمّ عليه…

ومن أجل هذا نستر بعضنا عيوب بعض…

من واجبنا، طبعا، أن نوقظ المواهب فى الناس، ذلك أن الإنسان لا يعرف نفسه موهوبًا…

المحبة الأخوية هى القوة التى توقظ المواهب…

فنحن، إذًا، نحيط الناس بعناية وعطف حتى تستفيق فيهم مواهب الروح القدس لتنمو بالتنوّع…

من هنا اننا لا نستطيع، إعتباطا، أن نقرّر ما هو الأكثر فائدة للكنيسة فى هذا لابظرف وذاك…

أى أننا لا نستطيع نحن أن نقرّر، مثلاً، أن الكنيسة، اليوم، بحاجة إلى إداريين فنأتى بأحسن الإداريين ونجعلهم رؤساء، وإكليروسً وغير ذلك…

هذا تفكير خاطئ…

لا نستطيع نحن ان نقرّر أن الكنيسة بحاجة إلى لاهوتيين أكثر مما هى بحاجة إلى ناس عمليين…

الكنيسة بحاجة إلى مواهب متنوعة ومتعددة كما رسمها الله على لسان الرسول بولس…

نحن ليس لنا أن نقرّر ما هو المهم وما هو غير المهم…

ما يكشفه الله أنه مهم هو المهم…

وبالتالى فإن هذه المواهب تتآزر ونوقظها نحن فى الناس…

 

* شركة المواهب وشركة المائدة :

إذا عرفنا ذلك فنحن نعرف أن هذه الشركة بين أصحاب المواهب تتوطد على قدر إلتفافنا حول المائدة، مائدة القرابين حيث يتغذى أصحاب المواهب لينتقلوا إلى العالم…

عندما نأكل جسد المسيح ونشرب دمه نكون، بالتالى، فى حالة التقوى بمواهب الروح كل حسبما وُهب…

الإكليروس والعلمانيون يشتركون معا فى حياة الكنيسة حسبما أُعطى كل منهم من مواهب الروح…

الاشتراك الأمثل والضرورى جدًا والذى لا حياة لنا بدونه هو الاشتراك بجسد ابن الله فى كل قداس إلهى حيث تكون ال ” بيرارخيا”…

وال ” بيرارخيا” كلمة يونانية ليست لها ترجمة فى أيّة لغة، وهى تعنى الجماعة المتشاركة…

إنها مشتقة من كلمة تعنى القدسى…

وهى تعنى هنا المبدأ القدسى…

وباتصال الكلمتين صارت تعنى المشاركة حسب رتب مختلفة…

ال ” بيرارخية” عندما صورها ديونيسيوس الأريوباغى – راهب من القرن السادس، وهو على الآرجح، سورى – صوّر المائدة المقدسة وحولها الأسقف والكهنة والشعب المؤمن وتسع طغمات منها المعمودية والميرون، وهذه الطغمات صورها واقفة حول المذبح…

وفى السماء أيضًا تسع طغمات ملائكية حول العرش الإلهى…

الرتب هنا على الأرض تناسب التى فى السماء…

هذا يعنى، بكلمة ثانية، أن عمل الله ينبث من القرابين، من المذبح، وهكذا إلى هذه الحلقات الملحقة حول جسد ابن الله…

هذا ما يسمّى بال ” بيرارخيا”… 

الذى نال الميرون صار فى ال” بيراخيا” العامة فى الكنيسة…

فجسد ابن الله، إذًا، هو المصدر، ولكنه يأتى أيضًا بحلول الروح القدس على القربان والخمر…

وبالتالى فإن تناولنا لجسد ابن الله هو تناولنا لقوة الروح القدس…

بالنتيجة، إن جسد ابن الله يجمعنا بمعنى أن كلاً منا يزداد فى موهبته، وهكذا يرتفع مستوى الكنيسة…

 

ليست غاية المناولة، إذًا، أن يسر الواحد به ويشتاق إليها فقط، غاية المناولة أن تتشكل الكنيسة…

أن تصير موحدة لأننا بتناولنا الجسد والدم ننضم إلى ابن الله الجالس فى السماوات…

ينمو جسده وينمو كل منا بموهبته الخاصة وتنتقل الكنيسة من جسم مبعثر غارق فى الدنيويات والشهوات إلى جسم مُرَوْحَن أكثر فأكثر أى معبأ بقوة الروح…

 

* القداسة هى الهدف :

المسيحى، إذًا، هو من يسلك درب القداسة فى شركة الأخوة…

ليس من أحد يفهم إلا على قدر ما يتقدس…

ليس الفهم بالدماغ، إنه بالروح القدس إذا حلّ عليك…

دماغك لا يقدّم فى هذا ولا يؤخر، هو يفسّر لك بعض الأمور ويوضحها، والتوضيح والتفسير هما فقط لتنظيم الأشياء وترتيبها ولا يخلقان فاعلية إلهية…

كما أنه إذا شرحت أمامكم لوحة فنية فمجرد الشرح لا يخلق عندكم شعورًا بالجمال ما لم يكن فيكم حس الجمال…

ليست القضية بالشرح، والحياة المسيحية ليست بالمحاضرات ولكنها أن ينزل الله عليك ولا ينزل…

القضية قضية نعمة إلهية تأتى على الإنسان وعلى قدر قداسته بفهم…

ولكون الإنسان لا يستطيع أن يتقدّس لوحده وجب عليه أن يحب لكى يتقدس – فالذى لا يحب ليس عنده شئ – وعليه أن يعيش مع الجماعة فى خدمة عملية…

وعلى قدر ما يتساند والجماعة هذه، كلهم بعضهم مع بعض، يصبحون إنسانًا واحدًا فى المسيح يسوع…

إذا أحبت هذه الجماعة الموجودة هنا بعضها بعضًا حقيقة وفى الأعماق، وإذا تطهّر كل واحد فيها من شهواته، تصبح قادرة على الفهم والحياة فى المسيح يسوع…

العملية الأرثوذكسية هكذا تكون:

{ لنحب بعضنا بعضًا لكى، بعزم متفق ( بقلب صادق ) نعترف مقرين بآب وابن وروح قدس…}…

المحبة شرط المعرفة ومفتاح المعرفة…

ولذلك أن أتعاطى شهواتى المختلفة، والبغض والحقد والحسد والإغراء وما إلى ذلك وأن أذهب بعد ذلك لأقوم بإجتماع دينى فهذا غير ممكن، ذلك أن الناس الذين هم على شئ من البصيرة يدركون أن كلامى مكرر، مجتر وأنه مجرد نقل عن الكتب ولم يصدر من داخلى ويمر فى عظامى كلها لأننى ما زلت محافظًا على شهواتى وبالتالى لا يمكننى أن أتكلّم ولا أن أخدم…

ولذلك السؤال:

لماذا المسيحيون متقاعسون ومتكاسلون؟…

جوابه:

لأنهم لا يحبون الله ولأن خطاياهم تمنعهم من النشاط…

لا يوجد تفسير ثانٍ…

وليس فى الأرثوذكسية غير هذا التفسير الوجودى…

إذًا فهذه الشركة وهذه المعية تقويان بالمحبة اليومية العملية…

 

*معية القديسين:

إن المشاركة بين المؤمنين، بالروح القدس الواحد فيهم، لا يقطعها الموت…

المحبة أقوى من الموت…

وما سمّى شركة القديسين، ونترجمه هنا معيّة القديسين – والمعيّة كلمة عربية جميلة جدًا لا ترادفها كلمة فى أيّة لغة أخرى – وهى تعنى هنا القديسين الذين على الأرض والقديسين الذين فى السماء، بحيث أن الرسول بولس يسمى المسيحيين، هنا على الأرض، قديسين، وحيث أن القديس هو الذ خُصّص لمسيح وكُرّس له، والقديس ليس هو البطل، فالمسيحية ليس فيها ما يسمّى بطولة – هذه المعيّة تعنى أن ثمّة عُرى لا تنفصم بين الذين هم على الأرض والذين إنتقلوا إلى الله…

إن البروستانتية، حين ألغت ذكر القديسين الممجدين، حرمت نفسها من كنز لا يثمن…

حرمت نفسها من أن تبقى واحدة مع المواكب، مع هذه الأجيال البارة التى سبقتنا…

لأنه إذا كان المسيح واحدًا، إذا كان المسيح غالبًا الموت فغلبته تفعل الآن وإلا فليست شيئًا…

إذا قلنا أننا كلنا أموات ونفنى فى القبور وأن المسيح سوف يعيدنا إليه فقط فى اليوم الأخير فهذا القول يعنى أن ثمة فجوة بين قيامة المخلص واليوم الأخير وأن هذه الفجوة لا يسدها أحد…

 

خطأ البروستانتية الأساسى أنها لا تعرف الشركة…

هى تعرف أن الإنسان مع ربه فقط…

ولكن حقيقة الإنسان أنه مع الإنسان الآخر والله بينهما جامع…

ليس صحيحًا أنى أنا مع الله لوحدى…

أنا معكم وكلنا، بعضنا البعض، مع الله…

هذه هى الإنسانية، هذا هو جسد المسيح…

المسيح هو فى الذين يحبونه، هؤلاء أعضاء لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر…

والله الآب هو أبو هذه العائلة والمسيح يشكلها والروح القدس مبثوث فيها…

هذه حقيقة الإنجيل…

وحيث أن إيماننا أن المسيح قد قام حقًا فهو، من الآن، مهيمن على هذه الجماعة، أى أن قيامته، إنقاذه الإنسان من الخطيئة والفساد، هذه القيامة فاعلة وإلا فمعنى هذا أن اليوم الأخير مفصول عتن القيامة وكأن المسيح ذكرى نلهج بها…

أى أن ثمة هوة هائلة بين المجئ الأول والمجئ الثانى إذا لم يكن هناك قديسون، إذا لم يوجد أناس موصولون بعضهم مع بعض…

الكنيسة، بالتالى، فى جانب من جوانبها، وهى هذه الموصولية بين كنيسة الأرض وكنيسة الأبكار المكتوبين فى السماء…

وهتذه الموصولية تمثلها الكاس المقدسة عندما نضع فيها أجزاء الأحياء والأموات، بعد مناولة المؤمنين، فتمتزج الأعضاء الحية، أى الأحياء العائشون هنا، والأعضاء الذين انتقلوا إلى الله، الذين ذُكروا، والقديسون ممثلين بتسع طغمات عن يسار الحمل، ووالدة الإله التى هى عن يمين الجوهرة فى الصينية…

يتحد هؤلاء بالدم الإلهى…

هذا يعنى أن دم المسيح الذى سُكب انبث فى الدنيا ويجمع الأحياء والأموات، يجمع الذين مُجدوا فى قداسة معلنة والذين انتقلوا ولم يُمجّدوا فى قداسة معلنة ولكنهم يساهمون فى حياة الله والذين، هم على الأرض، يسعون سعيًا…

هؤلاء كلهم مربطون بعضهم مع بعض بدم الحمل الإلهى وهم معيّة…

 

ولذا فالإنسان ليس هو، فقط، ابن اليوم…

الإنسان مسنود…

أنا موصول، منذ ألفى سنة، بأناس سبقونى، بهذه المواكب التى تتعاقب بالشهادة والدم والأسقفية والذبيحة المستمرة…

 

* شفاعة القديسين :

من أجل هذا فالدعاء للقديسين – وهو ما يسمّمونه الشفاعة – هو نتيجة منطقية لكونهم:

[ وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ ] [ لوقا 20: 38 ]…

ويقول صاحب نشيد الأنشاد:

[ أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ ] [ نشيد الأنشاد 5: 2 ]…

إذًان فهؤلاء النائمون فى القبور ليسوا أمواتًا، قلوبهم يقظة…

وإذا أردتم تمييزًا فلسفيًا بين النفس والجسد، فنفوس هؤلاء، منذ الآن، قائمة من الموت…

نفوسهم قائمة بفعل المسيح وأجسادهم منحلة وهذه المقبرة ختمناها بالماء المقدس فأشرنا بهذه الطريقة الرمزية إلى أنها استهلال للقيامة، إنها بدء، إنتظار…

هذا الانتظار هو تطلّع على ما سوف يكون…

 

ولكن عندنا، هنا، امران:

عندنا – وهذا رأى أورثوذكسى وليس عقيدة – أن بعض الأجساد لا تفنى ولكن تبقى طرية، مثال على ذلك:

المطران صدقة الموضوع فى دير مارإلياس – شوبا، وقد توفى منذ ما يقرب من مئة وخمسين سنة ولم يزل اللحم على جسده وكذلك شعره…

وكثيرين من أجساد القديسين لم تر فسادًا محفوظة بالكاتدرائية بكلوت بك بالقاهرة…

عن هذه الحالات يقول سمعان اللاهوتى الحديث انها حالة وسط وأن ثمة إنتظار لملكوت السماوات بحيث أن الجسد لا ينحل ويبقى فى حالة وسطى للدلالة على أن هذه الأجساد سوف تبعث…

وبصرف النظر عن هذا الرأى، ثمة أمر آخر مهم هو بقايا رفات القديسين وبقايا الشهداء المحفوظة فى الكنائس والأديرة…

 

المهم هنا اننا نؤكد هذه المعية بكل هذه الرموز والأعمال، تؤكد هذه المعية الواحدة بيننا وبين الذين ذهبوا، نؤكد ان الروح القدس الواحد يجمع بينهم وبيننا…

 

ولهذا فالموقف الأرثوذكسى فى إستشفاع العذراء والقديسين، أى طلب دعائهم لنا، الموقف الأرثوذكسى فى ذلك ليس أنهم جسر يوصلنا إلى الله – ذلك أن الله أقرب إلينا مما هم إلينا، وهذا التصوير أن الله بعأيد وأنهم هم يقربوننا إليه تصوير خاطئ – إنما هو أنهم هم معنا فى صلاة واحدة…

والقضية هى فقط قضية ناس مرتبين حول عرش الله…

ويمكننا القول أن الذين سبقونا إلى المجد الإلهى انتهى جهادهم، أكملوا الجهاد الحسن…

من هذه الناحية هم ثبتوا فى سكون الله…

نحسبهم كذلك بحيث أننا نعتبر أنفسنا خطأة وأننا ما زلنا فى الجهاد فيما هم أكملوا الجهاد…

ولا يختلف موقف الإستشفاع هذا عن أى طلب شفاعة…

فمثلاً، عندما يقدّم أحدنا تقدمة للكنيسة فى عيد قديس ما يطلب إلى الكاهن أن يذكر له اسمه فطلب الشفاعة باسم هذا القتديس وذاك يكون من باب أن طلبة البار تقتدر كثيرًا فى فعلها…

البار يصلى، طبعًا فى الكنيسة، ولست أتكلم عن الصلاة الطقسية التى يرأسها الكاهن من حيث الوظيفة، ولكنى اتكلم عن الدعاء الخاص الذى نطلب فيه شفاعة الأبرار…

من هذه الناحية نحن نطلب شفاعة الأولين هؤلاء الذين ينتمون إلى الصف الأول من هذه الصفوف التى، فى النهاية، تتحلق كلها حول السيد المسيح…

 

* يسوع المسيح الشفيع الوحيد :

من هنا أنه يصبح سطحيًا هذا السؤال:

لماذا نصلّى طلبًا لشفاعة مريم العذراء عند الله فى حتين أن الشفيع الوحيد عند الله هو يسوع المسيح؟…

المسيح هو الشفيع الوحيد بين الله والناس ليس بمعنى أنه يقصينا ولكن بمعنى أنه يقصى شفاعة العهد القديم…

أى أن موسى لا يمكن أن يكون شفيعًا بين الناس والله، فالناس فى اليهودية بقوا مفصولين عن الله إلى حين أتى المسيح فاتحدهم به…

إذًا، فالوسيط الوحيد الذى يجمع بين الله والناس هو يسوع المسيح، كما يقول الرسول بولس…

أى هو الذى عُلّق على الخشبة…

فلأنه رُفع على الخشبة ومات ثم قام ألصق الله بالناس…

هذا يعنى أنه لا يوجد إلتصاق بين الله والناس عن طريق اليهودية ولكن عن طريق العهد الجديد…

وهكذا عبارة الشفيع الوحيد هى ليست لإقصاء مريم وبقية القديسين، كلمة وحيد هى لإقصاء الذين سبقوا أى لإقصاء شرعية اليهود…

وبالتالى فالمسيح يبقى الشفيع الوحيد بين الله والناس ونحن فيه…

إذًا، فهذا الشفيع الوحيد بين الله والناس هو المسيح النامى العملاق الذى ينمو من الآن وإلى آخر الدهر…

والذى يتناول جسد المسيح ودمه يلتصق به ويصبح جزءًا من المسيح…

إذًا، فالذى أصبح فى المسيح قائمًا من بين الأموات، الذى يتغذى من القيامة ويصبح إنسانًا قياميا، هذا الإنسان يصلى فى المسيح، من جوف المسيح يصلى ويبقى فى هذه الوحدانية المتشفعة، يبقى فى هذا الكائن الوحيد المتشفع من أجل الناس…

 

Posted in عقيدة مسيحية | Leave a Comment »

مدخل إلى العقيدة المسيحية- الثالوث القدوس

Posted by mechristian في أوت 11, 2007

 

مدخل إلى العقيدة المسيحية

د.كوستى بندلى ومجموعة من المؤلفين

الفصل السابع: الثالوث القدوس

الفصل السابع: الثالوث القدوس

*ليس الثالوث فلسفة :

*ما يُنسب للإنسان لا يُنسب لله :

*الثالوث يتعدى العدد :

*موقف روحى صوفى :‏

*من هو إله المسيحيين؟ :

*الابن مولود من الآب والروح القدس منبثق من الآب :‏

*المعنى الأخير للثالوث :‏

*الثالوث متجلى الله :‏

 


 

الفصل السابع

اَلثَالوث القدوس

” ..أؤمن بإله واحد، الله الآب….وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور … نعم أؤمن بالروح القدس الرب المحيى المنبثق من الآب…”

 

 

* ليس الثالوث فلسفة :

إن الكثيرين من المسيحيين يظنون أن عقيدة الثالوث هى نظرية فلسفية وهى قضية معقدة لا يفهمها أحد، وبالتالى هى موجودة ونقول بها، إلا أنها لا تمت بصلة إلى الناس وإلى ما يعيشون…

ولكن عندنا القديس ” إغريغوريوس اللاهوتى” الذى يقول: ” الثالوث فرحى”…

إذً، وُجِدَ أناس ليس الثالوث بالنسبة إليهم شرحا فلسفيًا، ليس تعليما للأذكياء ولكنه حياة تُعطى للناس جميعا، وكل الناس يمكنهم الإشتراك فى حياة الثالوث…

ليس عند المسيحيين تعليم إلا وله علاقة بحياة البشر الأقرب إلى معيشتهم، ليس المسيحيون فلاسفة وليس ثمة عنصر فلسفى فى دياناتهم، وهم يُجلّون إيمانهم عن أن يكون فلسفيًا…

هذا يعنى أنه ليس هناك عنصر أرضى يكوّن إيمانهم…

هم يقولون أن الألف والياء فى إيمانهم هو الثالوث القدوس…

وبالتالى، لا مهرب من أن نواجه هذا الذى يقال عنه فى المسيحية أن البداية والنهاية…

 

* ما يُنسب للإنسان لا يُنسب لله :

يجب القول، بادئ ذى بدء، تمهيدًا لبسط العقيدة، أننا إذا تحدّثنا فى الله فإنما يكون للكلمات معانٍ غير المعانى المألوفة…

الله يُتَحّدث عنه بتنزيهه عن المخلوق…

الله ليس مثله شئ، ليس مثله مخلوق…

فالحديث عنه، إذً، بكلمات – طبعا لا يستطيع الإنسان إلا أن يتكلّم، وهذا العلم الإلهى نقول عنه إنه التكلّم بالإلهيات – ولكن، حتى إذا تكلمنا فى أمور الله فنحن نضمّن الكلمات معانى غير المعانى المعروفة، له، طبعا، صلات بالمعانى المعروفة ولكنها غيرها فى النهاية…

مثلاً:

إذا قلنا أن هذا الإنسان واحد وليس إثنين فليس بهذا المعنى نقول إن الله واحد. الله واحد ولكن ليس تشبيها بأن هذا من الناس وذاك هو واحد. هناك، طبعا، شئ من القرابة بين أن الله واحد وأن هذا من الناس وذاك واحد. ولكنها فقط قرابة. لا نعنى الشئ نفسه إذا قلنا واحد عن إنسان وإذا قلنا واحد عن الله. ليس هناك مدلول واحد. عندنا مدلولات مختلفة. إذا قلنا أن هذا الإنسان جميل، بمعنى أن ثمة تناسقا بين عينيه ومنخريه وفمه وقامته… إلخ. فليس بهذا المعنى نقول أن الله جميل…

 

ماذا نعنى عندما نقول أن الله جميل؟…

هذا يفرض حركة فى القلب، حركة تطهّر كبيرة…

وندرك فى الصلاة، فى التأمل الروحى، أن الله جميل…

الله هو الذى يُتصل به ويُعبد وفى النهاية، لا يُتكلم عنه…

ولكن لابد من الكلام…

فنقول، إذًا، كلاما منزها عن الكلام البشرى…

نقول عن الله ما ليس هو، ولا نقول عنه ما هو…

نقول، مثلاً، الله ليس بواحد، ليس بجميل وليس بموجود، إذا كان الإنسان موجودًا بمعنى أن له عظاما ولحما ونفسا… إلخ…

أى أننا إذا حددنا كيان الإنسان فليس بهذا المعنى الله موجود…

ولا يمكننا، بمعنى من المعانى، أن نتكلّم عن الله مثلما نتكلّم عن الإنسان…

صحيح أن الله موجود أى هو قائم، ولكن هل هو موجود مثلما الإنسان موجود؟…

كلا…

دائما هناك كلا عندما نتكلّم عن الله…

ليس هو موجودًا بنفس الوجود الإنسانى…

إذا كان للإنسان جوهر، فهل لله جوهر؟…

نقول فى نشيد الميلاد: { العذراء تلد الفائق الجوهر }…

لم نقل أن له جوهرًا ولكن أنه يفوق الجوهر…

فإذًا، إذا كان الإنسان ذا جوهر فالله ليس ذا جوهر…

ما يُنسب للإنسان لا يُنسب لله…

الله يُنزّه دائما ويُرفع ويُعلى…

 

* الثالوث يتعدى العدد :

بناء على ما تقدّم…

إذا قلنا أن الله مثلّث الأقانيم، وإذا قلنا أنه واحد فى الجوهر فهذا ليس معناه، على الإطلاق، أنه هو ثلاثة و أنه واحد…

ليس هو ثلاثة بمعنى العدد…

العدد لا علاقة له بالله…

لا يستطيع الإنسان إلا أن يعدّ المحسوسات…

الله لا يُعدّ لإن من عدَّه فقد حَدّه…

وذلك، عندما يقول شهود يهوه والمسلمون و اليهود، عندما يقولون عنّا أنّ عندنا ثلاثة آلهة، لأننا نقول: واحد وثان وثالث، ( وهم يعنون بذلك أن عندنا ثلاثة آلهة )…

فالجواب على ذلك هو أننا لا نعدّ الله ثلاثة…

ليس هذا عدًّا…

أحدهم اسمه الآب وأحدهم اسمه الابن وأحدهم اسمه الروح القدس…

إذ أنه يُجاب على المسلم واليهودى وشهود يهوه بأنه إذا كان إلهك واحدًا وأنت تعدّه واحدًا فهذا كأنك تعدّه ثلاثة وأربعة وخمسة عشر…إلخ…

لأنك إذا عدَدْته واحدًا معنى هذا أنك حدّدته بواحد…

الله لا يُحَدّ…

فإذًا، واحد ليس أقل من ثلاثة…

إذا كان ثلاثة عددًا فواحد عدد أيضًا…

الله ليس واحدًا إذا قصدنا بهذا أنه ليس إثنين…

هو واحد، هكذا قال عن نفسه بمعنى لا أعرفه عقليا ولا يمكن أن أعرفه عقليا…

ولكن هكذا كشف هو نفسه…

وأنا أستطيع، بالإتصال الروحى، بالصلاة، بخيرة القديسين وخبرة الجماعة أن أذوق كيف هو ثلاثة، كيف هو واحد…

ولكن يبقى أن القضية ليست إحصاء…

 

* موقف روحى صوفى :

تلاحظون أننا أرجعنا الآن إلى موقف روحى، صوفى، إلى موقف يفوق كل إدراك عقلى، لأننا نحن لا نستوعب الله ولكنه هو يستوعبنا…

وبالتالى لا مبرر للسؤال:

كيف أن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة؟…

لأنه ليس همّى أن أفهمك هذا ولا يمكنك أن تفهم هذا…

وأكثر من ذلك لا يمكنك أن تفهم، حتى، كيف أن الله واحد؟…

ولكن عقل الإنسان حسابىّ وهذا بالنسبة إليه بسيط أكثر من أن تجعله يقارن بين شيئين فيلتبس عليه الأمر وتتعقد بساطته العقلية…

ولكن، فى حقيقة الحال، عقليا، الواحد ليس أبسط من ثلاثة…

ويبقى فهمك للواحد على نفس صعوبة فهمك للثلاثة…

فإذًا، لا يفتخرن أحد علينا بأن عنده ديانة عقلية…

وهل فهم أنّ الله واحد هو موقف عقلى؟…

كل وجود الله، فى الأساس، ليس عقليا…

العقل البشرى لا يفرض عليك الوجود الإلهى…

ويرتاح العقل البشرى، كليا، إنّ بوجود الله و بعَدّ وجوده…

إذ يمكن لهذا العقل أن يصعد إلى القمر وأن يصنع مختبرات وصواريخ سواء كان الله، بالنسبة إليه، موجودً وغير موجود…

ولا يستطيع العقل البشرى، بقدرته الوحيدة، إلا أن يعدّ…

والفيزياء الصحيحة والسليمة هى، فى النهاية، العدّ، هى حساب…

كلّ شئ ليس هو حسابا ليس علما…

كلّ شئ ليس هو حسابا ليس معرفة…

الله ليس حسابا لذلك فهو لا يُعرَف ولا يستدلّ عليه…

 

* من هو إله المسيحيين؟ :

فى سفر الرؤيا آية تقول عن المسيح أنه:

[ وسيَسجُدُ لَه أَهلُ الأَرضِ جَميعًا، أُولئِكَ الَّذينَ لم تُكتَبْ أَسْماؤُهم مُنذُ إِنْشاءِ العالَمِ في سِفرِ الحَياة، سِفرِ الحَمَلِ الذَّبيح ] [ الرؤيا 13: 8 ]…

إذًا، قبل أن يخلق الله العالم كان عنده فى جوفه حمل مذبوح وهو الابن الذى أعدّه لخلاص العالم…

هذا قبل أن يُنشأ العالم…

هناك، إذًا، عملية حُب فى داخل الثالوث…

الله أعدّ ابنه ليكشف للعالم بأنه محبوب، أى بأن العالم هذا محبوب…

ويحذرنا الآباء، طبعا، من أن نتحدّث فى الثالوث القدوس إذا كنا نريد أن نتكلم عن علاقة الله بالعالم…

هذا الحديث، يقول الآباء، هو خارج عن المبحث الثالوثى…

ثمة علم اسمه ” الثيولوجيا” وهو الكلام عن الله فى أزليته، بحد نفسه…

وثمة علم اسمه ” إيكونوميا” وهو التدبير، أى هو كيف أن الله يريد أن يدبر هذه الدنيا عن طريق الخلاص…

ويقول لنا الآباء، أيضًا، أن البحث فى ” الثيولوجيا” هو غير البحث فى ال ” إيكونوميا” أى فى تدبير الخلاص…

 

الإله الواحد الأحد لا يُحبّ…

” الواحد” تعنى فى العربية، واحدًا بالعدد، و” الأحد” تعنى الذى ليس بعده ثانٍ، هذا فى العربية…

{ قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد }…

هذه آية من سورة ” الإخلاص” وليست هى، فى الحقيقة، موجهة ضد المسيحيين…

ليس معناها أنها تنكر الابن والروح القدس…

إذا أخذناها نصا فقط وليس بمدلولها القرآنى، يمكننا أن نقول، من حيث النص، أن الإله الأحد أى المنغلق على نفسه، المحدود بأحديته، هذا الإله لا يلد ولا يولد، أى أنه لا يحب ولا يُحبّ…

عندما يكون الواحد واحدًا فقط وغير قادر أن يصير إثنين وأن يحاور شخصا أمامه فهو ليس منفتحا…

حتى الراهب الساكن فى صومعته هو فى حوار مع المؤمنين الذين ليسوا معه فى صومعته، ذلك أنه يصلّى من أجلهم ويصلون من أجله…

 

لا يوجد إنسان طالع من صخر…

كلّ إنسان يحاور حتى يوجد…

قبل أن يحاور ليس هو موجودًا…

الله موجود لأنه يحاور، لأنه غير منغلق على نفسه، لأنه فاتح نفسه…

هذا الإله الفاتح نفسه للحديث، لحديث حبّ – ولا حديث غير هذا – هذا الإله هو الآب وهو مصدر الوجود الإلهى، أى مصدر اللاهوت، مصدر الألوهة…

قبل أن يكون العالم وبالإستقلال عن العالم الله قائم…

كان يمكن للعالم ألا يكون…

العالم موجود عرضًا ويمكن أن يُفنى، يقول العلماء أنه سيُفنى…

الله موجود بصرف النظر عن العالم، عن وجود العالم وزواله…

 

* الابن مولود من الآب والروح القدس منبثق من الآب :

هذا الإله الموجود، القائم فى نفسه والمنفتح من نفسه أيضًا،

هذا الإله الذى لا بدء له ولا نهاية ولكنه بدء كل شئ ونهاية كل شئ،

هذا الإله، قبل أن يَخْلق وبالإستقلال عن الخلق،

جاء منه الابن، فاض منه الابن – الكلمة،

وفاض منه، أى من الآب، أيضا الروح القدس…

والكلمات التى تُستعمل فى التراث المسيحى، فى هذا الشأن،

هى أن الآب غير مولود وغير منبثق – هذه صفته الخاصة به والتى تميزه عن الابن والروح –

والابن مولود من الآب،

والروح القدس منبثق من الآب…

هاتان الكلمتان – مولود ومنبثق – موجودتان فى الكتاب المقدّس…

نحن نعرف أن الابن مولود من الآب وقرأنا أن الروح القدس منبثق من الآب…

ماهو الفرق بين المولود والمنبثق؟…

هذا ما لا نعرفه…

هذا النشوء:

نشوء الابن عن الآب ونشوء الروح القدس عن الآب، هو نشوء أزلى، أى بلا زمان، قبل الزمان، لأن الزمان مخلوق…

قبل الزمان وبدونه، بدون إنفعال، بدون مخاض وبدون أزمة، صدر الابن عن الآب وصدر الروح القدس عن الآب…

هذا بدون بَعْدية، أى أن الواحد لا يأتى بعد الثانى فى الزمن…

من هذا القبيل فإن هذا لا يُشَبّه، إطلاقا، بالولادة الجسدية لأن الأب الجسدى هو قبل ابنه، فبينهما إذًا بَعْدية…

ليس من بَعدية بين الآب والابن…

فالواحد ليس قبل الثانى فى الزمن…

ولكن، إذا صحّ التعبير، يمكننا أن نقول أن الآب هو قبل الابن ليس بالزمان ولكن بالنطق، أى بالتسلسل، بتسلسل غير زمنى…

الآب قبل الابن بالنطق لا بالزمن أى أن الواحد يجئ من الثانى…

ولكن نعود فنقول، أنه مذ كان الآب فى الأزل، كان ابنه معه وكان روحه معه…

فإذًا، ليس بينهم إنفصال ولا فجوة ولا بُعد ولكن، فى نفس الوقت، الواحد ليس الآخر…

الآب ليس الابن، والابن ليس الروح القدس، والروح القدس ليس الآب، ولكنهم الكل فى جوهر واحد…

 هناك تمايز – وهنا يمكن أن تكون كل الكلمات ثقيلة جدًا – بينهم، تمايز بلا أفضلية…

التمايز يعنى فى اللغة العربية، أن الواحد غير الثانى…

الآب لا يمكن أن يكون الابن، ولا الابن الروح القدس’ ولا الروح القدس الآب، العلاقة بينهم علاقة الصدور…

الابن صدر عن الآب والروح القدس صدر عن الآب، الابن بالولادة والروح بالانبثاق وما يجمعهم هو الجوهر الواحد…

الذى يجمع الأقانيم الثلاثة هو الجوهر الواحد و الطبيعة الواحدة…

أى أن كل ما بينهم مشترك ما عدا صفات تخص الأقنومية…

كل ما بينهم مشترك ماعدا الصفات الأقنومية…

الجلسة واحدة أى الملوكية واحدة والربوبية واحدة، وباللغة الإسلامية، الحاكمية واحدة …

والخالقية واحدة أى أن الثلاثة اشتركوا فى خلق العالم…

كل هذه العبارات تأتى تحت كلمة الربوبية…

الربوبية، الازلية، الأبدية، الرحمة، المحبّة… إلخ، كل الصفات مشتركة ما  عدا الصفات الخاصة بكل منهم…

أى أن الصفة الخاصة بالآب هى الأبوة، أى هو غير مولود وغير منبثق، وهذه هى صفة الأقنومية للآب…

والصفة الأقنومية للابن هى المولودية، أى أنه مولود…

والصفة الأقنومية للروح القدس هى الإنبثاق، اى أنه منبثق…

فإذًا، كل ما بينهم مشترك عدا الصفات الأقنومية…

وهذه قاعدة أساسية فى اللاهوت المسيحى…

 

لذلك ترون فى الإنجيل أحاديث وأن هذه الأحاديث تدور، تارة، على الابن مولود من الآب وإذًا، هو خاضع للآب وعائد إليه – هذا فى موضوع التجسّد – وتارة تدور هذه الأحاديث على التساوى بينهما…

ثمة أحاديث، إذًا، تدلّ على التساوى بين الآب والابن…

وثمة أحاديث أخرى تدلّ على أن الابن مولود من الآب وبالتالى على أنه تابع من حيث أنه ليس هو المصدر ولكنه آت من المصدر بدون زمان…

هو تابع ليس لأنه عبد للآب بل بمعنى انه متصل بالتبعية…

الابن والروح القتدس متصلان بالتبعية مع الآب بلا زمان، بلا تفريق، بلا فجوة وبلا بُعد…

 ولكن هناك ثانٍ وثالث مقابل الأول وهو الآب الذى يبقى مصدرًا للاهوت…

 

علينا، إذًا، أن نستوعب فى نفسنا المؤمنة، وفى نفس الوقت، أن بين الأقانيم الثلاثة تساويًا، ولذا، فثمة أحاديث تدور حول التساوى…

وأن بينهم تستسل وإرتباط وصلة ولذا، أيضًا، ثمة أحديث عن الصلة…

من أجل ذلك مردودة هى هذه الدعاوى:

كيف يتكلم عن الآب أنه أهم من الابن وأعلى منه وأن المسيح يظهر نفسه بأنه خاضع؟….

المسيح خاضع لأنه تابع، لأنه ابن، والمسيح خاضع أيضا، فيما بعد، فى الإنجيل، لأنه تألم، لأنه إنسان، ولكن ليس فقط لأنه إنسان، بل أيضا، لأنه ابن وسيكون الله الآب الكل فى الكل، وفى الآخر سيخضع المسيح للآب لأنه، أى المسيح، يأتى بالإنسانية جمعاء إلى الله الآب…

ولكن، بصرف النظر عن المخلوق وبصرف النظر عن الفداء، فالمسيح متجه إلى الآب لأنه مولود منه…

 

* المعنى الأخير للثالوث :

لماذا كل هذه ” الكركبة”، هذه ” الشغلة” لماذا؟…

فقط لأن الله هكذا قال…

وما قاله صحيح…

ولكن ما المعنى الأخير للثالوث؟…

المعنى الأخير للثالوث هو أن الله محبّة…

أى، هذا الإله الأول، كما تسميه الطقوس الأرثوذكسية، وهو الآب، الأول فى النطق وليس الأول فى الزمن…

الأول من حيث أنه المصدر…

هذا الإله الأول، لكونه محبّة، صدر عنه ابنه وروحه صدور حبّ…

صدورًا لا زمنيًا، ولكنه صدورًا حبيًا كما يقول القديس مكسموس المعترف…

الله الآب يحب بهذا المقدار أنه صدر عنه هذا الإثنان الابن والروح…

وهذا يعنى أن الابن هو الآب مسكوبًا كليًا فى الأقنوم الثانى…

الابن معناه جوهر الآب، طبعا، وليس أقنوم الآب وفرد الآب كفرد، أى معناه جوهر الآب، طبيعة الآب وحياة الآب…

وبكلمة عصرية، حياة الآب التى فيه إنسكبت كليًا فى الابن…

فإذًا، يمكننا القول أن الآب نفسه مُضحّى بالابن وكذلك إنسكبت كليًا فى أقنوم ثالث، وهو الروح القدس، حتى تكتمل دورة المحبّة…

قال متصوف أرثوذكسى التفكير وهو H. de Saint-Victor  :

{ الآب يحبّ الابن، هكذا أن الروح القدس انبثق من الآب حتى يكون الابن محبًا للروح القدس وحتى يكون الابن محبوبًا من الروح القدس }.

 

من هنا أنه فى التجسد، الله يأتى ليكلّم الناس…

يقول ” نيقولا كاسيلاس” أن الله هو الخطيب وهو كمن يخطب بنتًا فيأتى ويخطب ودها. المسيح خطيب للجنس البشرى…

جاء ليبذل الحب للناس حتى يذعن الناس لهذا الحب. المسيح أحبّ، فى النهاية، لكى يدرب الإنسانية، حتى يفتح قلبها على الله. المسيح هكذا فعل لأنه مفوض. وهو مفوض أن يفعل هذا لأنه هو هكذا، لأن من طبيعته أن يحب. الأمور كلها مضبوطة بشكل أن من لا يقبل الثالوث لا يقبل المحبة…

 

* الثالوث متجلى الله :

وبالتالى، الثالوث القدوس هو المتجلّى وهو التعليم الكامل والسليم عن الله فى حياته والذى هو وحده الأساس والضابط لكل شئ…

من هنا ترون أن الثالوث ليس فذلكة عقلية وليس هو أن الآباء أرادوا أن يتسلّوا لأنهم درسوا الفلسفة اليونانية فركبوا الأمور هكذا…

القضية ليست أننا فلاسفة أذكياء ونرتب الأمور هكذا…

كلا…

ذلك أن هذه القضية، قضية الثالوث، وصلنا إليه وهى كشفت لنا، فى النهاية، على الصليب…

الحمل الذبيح قبل إنشاء العالم والذى رأيناه مذبوحا، فى وقت ما، على تلة من تلال أورشليم، هذا الحمل كشف لنا أن هذه العملية التى هى موته وحبه، عملية لا تفهم ولا تدرك إلا لأنها عملية تامة منذ الأزل…

الله، منذ الأزل، أحب الجنس البشرى وأرسل الابن…

الله حين ظهر إلى الوجود – وهو مجرد تعبير – أى قبل الوجود، سرمديًا، ظهر إلها محبًا، محاورًا نفسه ويحرّك الحب فى نفسه حتى يستطيع أن يكشفه للناس، جوهرًا، بهذا المعنى…

 

Posted in عقيدة مسيحية | Leave a Comment »

مدخل إلى العقيدة المسيحية- الفداء

Posted by mechristian في أوت 11, 2007

 

مدخل إلى العقيدة المسيحية

د.كوستى بندلى ومجموعة من المؤلفين

الفصل السادس: الفداء

الفصل السادس: الفداء.

1 الصلب:

*بالصليب حطم المسيح حواجز أنانيتنا:

* بالصليب أخذ المسيح على ذاته خطيئتنا:

* بالصليب انتصر المسيح على الألم والموت بدخوله فيهما:

* ملحق:‏

2 – القيامة

* القيامة فيض الحياة الإلهية فى إنسانية يسوع المنفتحة إلى الله بعطاء كامل:

* القيامة تفجير لمملكة الموت بدخول سيد الحياة فيها:‏

* ملحق:‏

3 – إشتراكنا فى صليب الرب وقيامته:

* تمسك الإنسان بأنانيته مخافة من الموت:‏

* الكلمة المتجسّد الوحيد الذى استطاع أن يتخلى عن تملك ذاته:‏

* المسيح نائب عن البشر أجمعين:‏

* إرادة الإنسان والخلاص:‏

* التوبة والأعمال:

1 محبة المسيح لنا:

2 – ثقتنا بانتصار المسيح على الموت:

* الرب يعين ضعفنا:‏

* إقتبال الأسرار الإلهية:

* التوبة المستمرة:

4 – الفداء ومحبة القريب‏:

* محبة الفادى لنا تلهم محبتنا للناس:‏

* إن محبة الفادى لنا تعين نوعية محبيتنا للناس:

أ – مبنية على بذل الذات:

ب- تتجلّى بالمشاركة:

ج – توجه الإرادة والعمل:‏

د – مجانية، غير مشروطة:

ه – موجهة بصورة خاصة إلى المتألمين:

* من قيامة المسيح نستمد المقدرة على محبة القريب:‏

* ملحق:

5 – الصعود‏:

*الصعود تتويج لعملية الفداء:

* تلك هى السماء التى صعد إليها يسوع:

* لكن يسوع صعد إلى السماء ليصعد البشرية معه:‏

* لقد فتح لنا يسوع بصعوده طريق السماء:

*الصعود لا يعنى إذًا هروبًا من الأرض وواجباتها:‏

* ولكن المسيحى يعلم أن تحوّله هو وتحوّل الكون لم يكتملا إلا عند المجئ الثانى فى نهاية الأزمنة:

*‏ ولكننا ندخل هذا الكون المتجدد منذ الآن:‏‏

 


 

الفصل السادس

اَلْفِدَاء

” ..وصُلِبَ عَنّا عَلَى عَهْدِ بِيلاطُس اَلْبُنْطِى وتَأَلّمَ وقُبِرَ وَقَامَ مِنْ بَيْن الأمْوَاتِ فِى اَلْيَوْمِ اَلثَالِثِ كَمَا هُوَّ فِى اَلْكُتُبِ. وَصَعَدَ إِِلَى اَلسَمَوَاتِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اَلآبِ. وَأَيْضًا يَأْتِى فِى مَجْدِهِ لِيَدِينَ اَلأحْيَاءَ واَلأمْوَاتِ. اَلْذِى لَيْسَ لِمُلْكِهِ إِنْقِضَاء…”

 

1 الصلب

إن الفداء إمتداد وتكملة لعمل التجسّد…

هذا الفداء الذى بلغ بالصليب قمته يمكن أن يُنظر إليه من ثلاث وجهات نظر:

 

*بالصليب حطم المسيح حواجز أنانيتنا :

بالتجسّد أصبح الله حاضرًا فى الإنسان ليجدّده ويشفيه ويشركه فى حياته الإلهية…

ولكن بقى أن يُزال الحاجز الذى أقامته الخطيئة فى صميم الإنسان بينه وبين خالقه…

هذا الحاجز هو كما رأينا إنغلاق الإنسان وإنطواؤه على نفسه دون الله، هو عبادة الأنا التى حكمت على الإنسان بعزلة مميتة…

كان ينبغى، إذً، تحطيم هذا الحاجز لتتدفق فى الإنسان حياة الله، لأن الإنسان الممتلئ من ذاته لم يعد لله مكان فيه…

لذلك عندما اتخذ ابن الله طبيعة الإنسان، داوى أنانيتها بالانفتاح الكامل والعطاء الكامل اللذين حققهما فى إنسانيته…

 

فإنه طيلة حياته علي الأرض، لم يرد أن يتمتع بالمجد الإلهى الذى كان كامنا فيه…

فإنه : [ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ اَلنَّاسِ ] [ فيليبى 2: 7 ]…

أخلى ذاته من التمتع بالمجد الإلهى وقبل طوعا بوضع العبد…

فضّل العطاء على التمتع، ومع أن كل شئ كان فى متناول يده، أراد أن يبذل لا أن يأخذ:

[ كَمَا أَنَّ اِبْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ ] [ متى 20: 28 ]…

إنه : [ اَلْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ  ] [ رومية 15: 3 ]…

ولكن حياته كلها كانت قربانا لله الآب وللبشر الذين صار أخا لهم…

فقد وُلد فقيرًا فى مذود البهائم وتشرّد عند إضطهاد هيرودس له، وعاش معظم حياته عاملاً مجهولاً:

[ أَلَيْسَ هَذَا هُوَ اَلنَّجَّارَ اِبْنَ مَرْيَمَ ] [ مرقس 6 : 3 ]…

وطاف يبشّر فيما [ لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ ] [ متى 8: 20 ]…

ورفض أن يصنع آية فى السماء ليبهر بها البشر [ وَجَاءَ إِلَيْهِ اَلْفَرِّيسِيُّونَ وَاَلصَّدُّوقِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ اَلسَّمَاءِ…. جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ اَلنَّبِيِّ ] [ متى 16: 1، 4 ]…

ولكنه كان يصنع العجائب رأفة بالمعذبين و[ َأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ اَلسُّقَمَاءِ الْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْمَجَانِينَ وَالْمَصْرُوعِينَ وَالْمَفْلُوجِينَ فَشَفَاهُمْ ] [ متى 4 : 23 ]…

وقد احتمل عدم إيمان الكثيرين، حتى أقاربه الذين كانوا ينعتونه بالجنون وتلاميذه الذين لم يفهموا رسالته حق الفهم والذين تركوه كلهم وفرّوا حين تسليمه، وباعه أحدهم وأنكره آخر…

وصبر على كل إهانات وشتائم وإضطهادات أعدائه الذين كانوا ينعتونه [ فَقَالَ اَلْيَهُودُ : أَلَسْنَا نَقُولُ حَسَناً إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ؟ ] [ يوحنا 8: 48 ]…

ولم يرد أن ينتقم منهم بل إنتهر يعقوب ويوحنا عندما طلبا إنزال نار من السماء لإحراق قرية رفضت أن تستقبله:

[ وَحِينَ تَمَّتِ اَلأَيَّامُ لاِرْتِفَاعِهِ ثَبَّتَ وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَأَرْسَلَ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ. فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهاً نَحْوَ أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا قَالاَ: { يَا رَبُّ أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضاً؟ } فَالْتَفَتَ وَاِنْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: { لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا! لأَنَّ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ اَلنَّاسِ بَلْ لِيُخَلِّصَ }. فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى ] [ لوقا 9: 51 – 59 ]…

وزجر بطرس عندما أراد أن يدافع عنه بالسيف:

[ رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ اَلَّذِينَ يَأْخُذُونَ اَلسَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ ] [ متى 26: 52 ]…

وصلّى من أجل قاتليه:

[ يَاأَبَتَاهُ اِغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ ] [ لوقا 23: 34 ]…

وأراد، وهو المعلّم والسيّد، أن يكون وسط تلاميذه كالخادم:

[ لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ؟ أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ اَلَّذِي يَخْدِمُ؟ أَلَيْسَ اَلَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلَكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدِمُ ] [ لوقا 22: 27 ]…

وأن يغسل أرجلهم:

[ قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ وَاِبْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ اَلَّتِي كَانَ مُتَّزِراً بِهَا ] [ يوحنا 13: 4، 5 ]…

 

هذا العطاء الذى به أراد المسيح أن يستأصل أنانيتن، بلغ ذروته فى الصليب…

كان فى وسع المسيح أن لا يموت بالنظر لللاهوت الكامن فيه…

ولكنه ذهب فى تخليه عن ” الأنا” إلى أقصى الحدود، باذلاً ذاته للموت…

وهكذا قدّم حياته على الصليب قربان محبة للآب، وتعبيرًا عن تخلّيه التام عن مشيئته الذاتية، كما قال بنفسه فى بستان جسيمانى:

[ يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ اَلْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ…. يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ اَلْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ ] [ متى 26: 39، 42 ]…

وكما ورد فى الرسالة للعبرانيين:

[ ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ، وَلَكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً. بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُسَرَّ. ثُمَّ قُلْتُ: هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ ] [ عبرانيين 10: 5 – 7 ]…

 

هكذا تمرّد آدم، وأطاع المسيح…

تكبّر آدم، فتواضع المسيح…

اكتفى آدم بذاته، فتخلّى المسيح عن ذاته:

[ وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى اَلْمَوْتَ مَوْتَ اَلصَّلِيبِ ] [ فيليبى 2: 8 ]…

وهكذا بموته على الصليب، أعطى البشرية الدواء الشافى لداء الأنانية الذى فصلها عن الله…

 

* بالصليب أخذ المسيح على ذاته خطيئتنا :

ومن وجهة نظر أخرى، نرى أن الرب يسوع المسيح، لكى ينقذنا من الخطيئة التى أصبحنا نئن تحت وطأته، شاء أن يأخذها على نفسه، لا أن يأخذها هى بلّ أن يحتمل فى ذاته نتائجها المريعة حبًا بنا…

إن المحب يود لو أنه يستطيع أن يأخذ على نفسه مرض المحبوب ليخلصه من وطأته…

ولكن ما لا يستطيع أن يفعله الحب البشرى، استطاع أن الرب يسوع المسيح أن يتممه إذ أنه، لأجل محبته لن، أخذ على نفسه مرضنا لينقذنا منه:

[ لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا0 وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً ‏مَضْرُوباً مِنَ اَلْلَّهِ وَمَذْلُولا ] [ أشعياء 53: 4 ]… و

[ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا ] [ متى 8: 17 ]…

 

فإنه وهو البرئ من كل خطيئة، أخذ على نفسه كل الشقاء الذى جرّته الخطيئة على الجنس البشرى:

[ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ ‏فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ… وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا0 تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا ‏عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا ] [ أشعياء 53: 2، 5 ]…

وكانه متروك من الله نفسه:

[ إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟ ] [ متى 27: 46 ]…

حاصلاً فى ظلمة وحزن مميتين:

[  نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى اَلْمَوْتِ ] [ متى 26: 38 ]…

 

هكذا تجسّمت فى المسيح – وهو لم يعرف خطيئة – كل مأساة خطيئة البشر:

[ كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ ‏جَمِيعِنَا ] [ أشعياء 53: 6 ]…

وكأنه صار هو خطيئة على حد تعبير الرسول بولس:

[ لأَنَّهُ جَعَلَ اَلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا ] [ 2 كورونثوس 5: 21 ]…

 

وهكذا فإن يسوع المسيح على الصليب ظهر لله الآب مجسمًا فى جسده الجريح، الممزّق، المختنق، وفى نفسه المنسحقة، بشاعة كل خطيئة البشر التى أخذها على نفسه فصار شفيعا للخطأة أجمعين عندما وحد ذاته معهم:

[ لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ اَلأَعِزَّاءِ وَمَعَ اَلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ ‏سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ ‏وَشَفَعَ فِي اَلْمُذْنِبِينَ ] [ أشعياء 53: 12 ]…

ذلك أن الآب لم يعد ينظر إلى الخطأة إلا من خلال هذه الصورة، صورة ابنه الوحيد الحبيب المصلوب الذى جعل نفسه كواحد منهم.

وبهذا المعنى يتابع الرسول بولس:

[ لأَنَّهُ جَعَلَ اَلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اَلْلَّهِ فِيهِ ] [2 كورونثوس 5: 21 ]…

أى أن الله تصالح مع البشر الخطأة وغفر خطاياهم وبرّرهم وضمهم إليه من خلال شخص الابن الوحيد الحبيب الذى وحّد ذاته معهم…

 

هكذا كان الحمل الذى كان يُذبح فى الهيكل صباحا ومساءً تكفيرًا عن خطايا الشعب رمزًا وإشارة إلى المسيح الذى قال عنه يوحنا المعمدان:

[ هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ اَلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ  ] [ يوحنا 1: 29 ]…

 

* بالصليب انتصر المسيح على الألم والموت بدخوله فيهما :

وهناك أخيرً، معنى ثالث بالغ الأهمية يتجلّى فى الصليب…

لقد دخل البشر بالخطيئة فى مملكة الموت ( وبلغة الكتاب والآباء تُدعى ” الجحيم” )…

وساد عليهم الحزن والألم والضعف والفناء…

لقد أصبحوا كمن اُغلَّق عليهم فى سجن مظلم رهيب…

لقد كان بإمكان الله أن يحرّرهم من الخارج، بكلمة منه فقط، بإرادته الفائقة…

ولكن محبته دفعته أن يشارك البشر أولاً مصيرهم لكى يوحّد ذاته معهم…

المحبة تدفع المحبّ إلى مشاركة المحبوب فى آلامه…

هكذا محبة الله للإنسان، كما نعتها كاباسيلاس، لم تدفعه إلى إجتياز الهوة الفاصلة بين الخالق والمخلوق وحسب – وهذا هو التجسّد – بل إلى مشاركته أيضًا فى جحيم بؤسه…

 

فالإله بتجسّده:

[ فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا… ] [ عبرانيين 2: 14 ]…

شاء أن يصير شبيها فى كلّ شئ بالبشر الذين إتخذهم إخوة له:

[ مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيماً، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِيناً فِي مَا لِلَّهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ ] [ عبرانيين 2: 17 ]…

أن يشاركهم أيضًا بكلّ ما تعرّض له هذا اللحم والدم، من جرّاء الخطيئة، من حزن وضيق وآلام وموت…

هكذا إكتمل التجسّد ودخل ابن الله إلى صميم الطبيعة الإنسانية، مختبرًا إياها بكلّ شقائه، حتى يشعر الإنسان فى حزنه وبؤسه، فى آلامه الجسدية والمعنوية، فى نزاعه وموته، إنه محبوب، وأن الله نفسه شاركه فى ذلك كلّه…

لقد جعل الله نفسه طريح الألم لكى لا يشعر الإنسان أنه يعانيه وحده بلّ برفقة الإله المتجسّد الذى عاش آلام الإنسان فى نفسه وجسده، بمعيّة ذاك الذى كُتب عنه:

[ لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّباً يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ ] [ عبرانيين 2: 18 ]…

 

هكذا دخل يسوع المسيح، حبًا بالإنسان، مملكة الموت التى كان غريبًا عنها إطلاق، ليس فقط من حيث إلوهيته التى هى ينبوع الحياة، بلّ من حيث إنسانيته أيضًا…

فإنسانية يسوع المسيح لم تعرف الخطيئة البتة ولذلك فقد كانت بالكليّه غريبة عن مملكة الموت، ذلك الموت الذى إنجرف إليه الإنسان بالخطيئة…

مملكة الموت هى مملكة الشيطان الذى قتل الناس بالخطيئة، ولم يكن للشيطان شئ فى إنسانية يسوع المسيح البريئة من كل عيب، ولذا قال يسوع لتلاميذه قبل تسليمه بقليل:

[ لأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ ( أى الشيطان الذى تسلّط على العالم بالخطيئة ) يَأْتِي ( أى أن يسوع سوف يدخل بالموت إلى مملكته ) وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ ] [ يوحنا 14: 30 ]…

فى تلك المملكة التى كان غريبًا عنها بالكلّية، مملكة الموت والشيطان الذى له [ سُلْطَان اَلْمَوْتِ ] [ عبرانيين 2: 14 ]…

دخل يسوع حبًا بالإنسان سجين ذلك العالم الرهيب…

 

ولكن مملكة الموت لم يكن بوسعها أن تضبط سيد الحياة والقدّوس البرئ من الخطأ…

لذا كان دخول يسوع فيها مقدمة لتحطيمها وتحرير الإنسان منها…

هكذا لما شاركنا الرب فى الآلام والموت أعتقنا من الموت والآلام…

ولمّا أسلم ذاته لذلك العالم الرهيب الذى أوجدته الخطيئة ضرب قوى الخطيئة الكامنة فينا ضربة قاضية…

عندما طرح نفسه فى ظلمتن، أضاءها بنوره، وعندما شاركنا فى موتنا أعطانا حياته…

هكذا تحققت نبؤة أشعياء التى ردّدها الإنجيل مطبقا إيّاها على يسوع:

[ اَلْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظَِلاَلِ اَلْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ ] [ أشعياء 9 : 2 ]…و

[ الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ  ] [ متى 4: 16 ]…

هذا ما عبّرت عنه الرسالة إلى العبرانيين:

[ فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ ] [ عبرانيين 2: 14 ]…

 

* ملحق :

1 – القديس مكسيموس المعترف هو أحد كبار معلمى الكنيسة، عاش راهبًا فى القرن السابع وفقد لسانه ويده دفاعا عن الإيمان المستقيم. قال فى سر الخلاص:

” لقد عَلّق السيد جسده الإنسانى كطعم بصنارة ألوهيته، كأنه يريد بذلك أن يجتذب الشيطان. وبالفعل هذا التنين العقلى، النهم إلى جسد الإنسان فغر فاه حول هذا الطعم، حاسبًا إيّاه، من جرّاء طبيعته الإنسانية، سهل المنال. وهكذا علق بصنارة الألوهة. بعد ذلك أرغمه جسد الكلمة المقدّس أن يلفظ كليًا الطبيعة الإنسانية التى كان سبق فابتلعها. وهكذا فالذى كان قد أغوى الإنسان مؤملاً إيّاه بالتأليه وابتلعه على هذا المنوال، أُجْتذِبَ بدوره بجسد الإنسان ذاته وأُرْغِم على لفظ ما كان قد ابتلعه. هكذا تجلّت القدرة الإلهية بشكل ساطع: فقد انتصرت على قوة الغالب مستخدمة بمثابة سلاح ضعف الطبيعة المغلوبة. منذ ذلك الحين أصبح الله الظافر بطبيعته الإنسانية وليس الشيطان بوعده الإنسان بالطبيعة الإلهية”…

 

2 والشاعر ” تشارلز باجى” عبر عن احتمال المسيح بالصليب كل لعنة الخطيئة، وأحصى مع أثمة، لذلك أصبح للبشر الخطاة الدالة أن ينادوا الآب ” أبانا” من خلال الابن الوحيد الذى صار واحدًا منهم، قائلاً:

” أبانا الذى فى السموات، لقد علمهم ابنى هذه الصلاة…

” أبانا الذى فى السموات، لقد كان يعرف ماذا يصنع، فى ذلك اليوم، ابنى الذى كان يحبهم بهذا المقدار…

” الذى عاش بينهم، الذى كان واحدًا مثلهم…

” الذى كان يسير مثلهم، ويتكلّم مثلهم، ويعيش مثلهم…

” الذى كان يتألم…

” ابنى الذى أحبهم بهذا المقدار، الذى يحبهم أبديًا فى السماء…

” أبانا الذى فى السموات، تلك الثلاث وألأربع كلمات…

” تلك الكلمات التى تسير أمام كل صلاة كما تسير يدا المتوسّل أمام وجهه…

” كما أن يدىّ المتوسّل المضمومتين تتقدّمان أمام وجهه و دموع وجهه…

” هذا ما أخبرهم ابنى عنه، لقد سلم إليهم ابنى…

” سرّ الدينونة نفسها…

” والآن هكذا يبدون لى، هكذا أراهم…

” هكذا أنا مرغم أن أراهم…

” كما أن أثتر سفينة جميلة لا يزال يتسع حتى يتلاشى…

” ولكنه يبدأ برأس، وهو رأس السفينة ذاته…

” هكذا موكب الخطاة الهائل لا يزال يتسع حتى يتلاشى…

” يبدأ برأس هو رأس السفينة ذاته…

” والسفينة هى ابنى نفسه، حاملاً كل خطتايا العالم…

” ورأس السفينة هو يدا ابنى المضمومتان…

” وأمام نظرة غضبى وأمام عدالتى…

” أبانا الذى فى السموات، لقد اخترع ذلك…

” لقد كان معهم، لقد كان مثلهم، لقد كان واحدًا منهم…

” أبانا، كمثل رجل يلقى معطفا كبيرًا على كتفيه…

” ارتدى، متجها نحوى…

” معطف خطايا العالم….”…

 

 


 

2 – القيامة

القيامة إنفجار قوة الفداء المحيية…

ويمكننا لجلاء معانيها أن نتأملها من وجهتى النظر التاليتين:

* القيامة فيض الحياة الإلهية فى إنسانية يسوع المنفتحة إلى الله بعطاء كامل :

إن الرب يسوع بالصليب بلغ قمّة التخلّى عن إرادته الذاتية وقدّم ذاته بكلّيته إلى الله الآب…

تقدمة محبة كاملة وعطاء لا تحفظ فيه…

هكذا أصبحت إنسانية يسوع منفتحة كل الانفتاح على الله الآب فى شركة حب كاملة معه، لذا تدفقت فيها الحياة الإلهية كلها وتحولت بالمجد الإلهى…

لقد كان مجد الألوهة بالطبع حالاً فى المسيح منذ تجسّده، إذ لم يزل إلها بعد أن إتّخذ جسدن، إلا أن هذا المجد كان مستترً، محجوبًا وراء الطبيعة البشرية التى إتّخذها ابن الله بحدودها وشقائها…

لذا جاع المسيح وعطش وبكى وتألّم…

لقد كانت الألوهة مستقرة فى قلب كيانه ولكنه كان يبدو فى الظاهر إنسانا كبقية الناس…

ولكن عندما اكتمل عطاء يسوع المصلوب إجتاح المجد الإلهى الكامن فيه والمحتجب وراء طبيعته الإنسانية هذا الناسوت كله وملأه بقوة الله وحياته وجماله…

 

عند الفجر تكون الشمس أولاً متخفية وراء الأفق، يتراءى نورها خفيفً، ناعمً، لا يُبهر الأنظار، ثمّ ينفجر النهار ويغمر النور الكون كله ويضفى على الأشياء كلها بهاءًا ساطعا…

هكذا ألوهة الرب يسوع المسيح المستمدّة أزليًا من الله الآب فاضت بالصليب فى ناسوته المنفتح كليًا إلى الآب، فتمجّد هذا الناسوت وانتصر على الموت…

 

لقد كانت حادثة التجلّى:

[ وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ.

وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.

وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ.

فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: يَا رَبُّ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ. لَكَ وَاحِدَةٌ وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ .

وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ وَصَوْتٌ مِنَ اَلسَّحَابَةِ قَائِلاً: هَذَا هُوَ اِبْنِي اَلْحَبِيبُ اَلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اِسْمَعُوا .

وَلَمَّا سَمِعَ اَلتَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدّاً.

فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: قُومُوا وَلاَ تَخَافُوا .

فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَداً إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ ] [ متى 17: 1 – 9 ولوقا 9: 28 – 36 ]…

مقدمة وصورة للقيامة كما يتّضح من توصية يسوع بعد الحادثة:

[ وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ اَلْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: لاَ تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ اِبْنُ اَلإِنْسَانِ مِنَ اَلأَمْوَاتِ ] [ متى 17: 9 ]…

فعلى جبل التجلّى فاض نور الألوهة المستقرّ فى الرب يسوع المسيح، فى جسده، فتغيّر منظره وصار وجهه مضيئًا كالشمس وثيابه بيضاء كالثلج، لامعة كالنور…

وقد حدث هذا التحوّل عندما كان موسى وإيلي، اللذان ظهر، يتحدّثان مع يسوع:

[ اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ اَلَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ ] [ لوقا9: 31 ]…

لقد تجلّى يسوع عندما كان يتحدّث عن موته، وفى ذلك إشارة إلى أن إنسانية يسوع كانت سوف تتمجّد بالموت…

 

تلك العلاقة الوثيقة بين الصليب وتمجيد يسوع، قد أوضحها الكتاب المقدّس فى مواضع مختلفة…

ففى إنجيل يوحنا نرى يسوع يقول لتلاميذه قبل آلامه بفترة وجيزة:

[ وَأَمَّا يَسُوعُ فَأَجَابَهُمَا: قَدْ أَتَتِ اَلسَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ اِبْنُ الإِنْسَانِ ] [ يوحنا 12: 23 ]…

وأضاف موضحا كيف يتم التمجيد:

[ اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ اَلْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ] [ يوحنا 12: 24 ]…

تمجيد يسوع هذا، إذًا، فى موته…

كذلك فى الصلاة التى تفوّه بها يسوع قبل خروجه مع تلاميذه إلى بستان جسيمانى حيث أسلم ذاته، قال:

[ أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ اَلسَّاعَةُ. مَجِّدِ اِبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ اِبْنُكَ أَيْضاً ] [ يوحنا 17: 1 ]…

” الساعة” التى أتت هى ساعة الصليب والموت كما يتضح من مكان آخر:

[ فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ وَلَمْ يُلْقِ أَحَدٌ يَداً عَلَيْهِ لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْدُ ] [ يوحنا 7: 30 ]…

” أتت الساعة، فمجد ابنك” يعنى، إذً، أن ساعة الموت كانت بالنسبة للرب يسوع المسيح هى ساعة المجد…

 

الصليب، إذً، كان يحمل كلّ طاقة القيامة:

لقد دخل يسوع المجد ( الذى له منذ الأزل وهو فى حضن الآب ) عندما قبل بإجتياز الموت ولم يبق بعد ذلك إلا أن يظهر هذا المجد بقيامته من بين الأموات…

بالصليب، إذً، تحققت القيامة، لذلك فقد كانت آلة العار هذه بالنسبة ليسوع عرش المجد والظفر…

لذ، شبهها الرسول بولس بتلك المركبة التى يقف عليها قادة روما الظافرون ويدخلون بها إلى المدينة جارين وراءهم رؤساء الأعداء مقيدين…

هكذا إعتلى المسيح الصليب كمركبة ظفر وربط بها الأرواح الشريرة مقيّدة ذليلة:

[ إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدّاً لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّراً إيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيه] [ كولوسى 2: 14، 15 ]…

ولذلك، تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بحزن وخشوع فى فى صلاة الساعة السادسة من يوم الجمعة العظيمة بذكرى الصلب منشدة ذاك النشيد المؤثر:

[ يا من فى اليوم السادس وفى الساعة السادسة سُمّرت على الصليب من أجل الخطية التى تجَرّأ عليها آدم فى الفردوس…. يا يسوع المسيح إلهنا الذى سُمّرت على الصليب فى الساعة السادسة وقتلت الخطية بالخشبة وأحيَيْتَ الميت بموتك، الذى هو الإنسان الذى خلقته بيديك، الذى مات بالخطية، اقتل أوجاعنا بآلامك المشفية المحيية وبالمسامير التى سُمّرت بها… صنعت خلاصًا فى وسط الأرض أيها المسيح إلهنا عندما بسطت يديك الطاهرتين على الصليب، فلهذا كل الأمم تصرخ قائلة: المجد لك يارب…]…

مظهرة هكذا أنه حينما بلغت الظلمة أشدّها بموت المسيح، انفجر النور فى صميمها ولم يبق لنا إلا انتظار ظهوره فى صباح الفصح…

كذلك، فى خدمة” جناز المسيح”، التى يُحتفل بها بتذكار دفن المسيح، تنشد مع المراثى ترانيم القيامة…

ويا ليتنا نقر، ونتأمّل فى الإصحاح الثالث من مراثى أرميا النبى…

 

* القيامة تفجير لمملكة الموت بدخول سيد الحياة فيها:

ومن جهة أخرى فقد رأينا أن الرب يسوع المسيح دخل فى مملكة الموت ( وبعبارة أخرى فى الجحيم ) لكى يشارك الإنسان بؤسه وشقاؤه…

ولكن الموت لم يكن بإمكانه أن يضبط من هو بلاهوته سيد الحياة ومصدرها…

لذلك فقد كان دخول المسيح فى الموت حكما مبرما على الموت بالزوال…

والموت نتيجة الخطيئة، ثمرتها السامة، لذا تحطيم مملكة الموت يعنى أيضًا تقويض سلطة الخطيئة…

لقد دخل الرب يسوع المسيح بموته فى السجن الذى كنّا مقيّدين، مستعبدين، نئن تحت نير الشر والبؤس والموت، فدكّ هذا السجن الرهيب وحطمه من أساسه…

فأطلق الموت يسوع وأطلق معه البشرية جمعاء التى وحد يسوع ذاته بها…

لذا تنشد الكنيسة معبّرة عن الخلاص بصورة شعرية:

” أيها الرب، أيها الرب، أن أبواب الموت قد انفتحت لك من الخوف، ولما أبصرك بوابو الجحيم ارتعدو، لأنك حطمت أبوابه النحاسية وسحقت أقفاله الحديدية وأنقذتنا من ظلمة الموت وإدلهمامه وقطعت قيودنا”…

وأيضًا:” جمع الملائكة انذهل متحيرًا لمشاهدتهم إياك محسوبًا بين الأموات أيها المخلص وساحقا قدرة الموت ومنهضا آدم معك ومعتقًا إيّانا من الجحيم كافة”…

 

هكذا تحققت بقيامة المسيح النبوة التى كان قد تفوّه بها هوشع النبى:

[ مِنْ يَدِ الْهَاوِيَةِ أَفْدِيهِمْ. مِنَ الْمَوْتِ أُخَلِّصُهُمْ. أَيْنَ أَوْبَاؤُكَ يَا مَوْتُ؟ ‏أَيْنَ شَوْكَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ تَخْتَفِي النَّدَامَةُ عَنْ عَيْنَيَّ ] [ هوشع 13: 14 ]…

تلك النبوة ردّد الرسول بولس صداها بعدما تحققت بالمسيح منشدًا بنشوة الظفر الذى جعلنا يسوع مساهمين فيه:

[ وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: { ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ }. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ ] [ 1 كورونثوس 15: 54، 55 ]…

وأضاف:

[ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. ][ 1 كورونثوس 15: 56، 57 ]…

معلنًا أن إنتصار المسيح على الموت هو فى الآن نفسه إبادة للخطيئة فين، تلك الخطيئة التى تُنتِج الموت…

 

هكذا صار المسيح القائم من بين الأموات محرّر الإنسانية الحقيقى الأوحد لأنه لم يكتف بمعالجة بعض مظاهر مأساة الإنسان لكنه جابه المأساة فى أعماقها وأصولها وجعل فينا طاقة تجاوزها…

إنه جابه قوى الموت الكامنة فى الإنسان ( أى قوى التفكك التى مزّقت الإنسان نفسًا وجسمًا ) ومن ورائها تلك القوة الرهيبة التى استخدمتها لاستعباد الإنسان أعنى بها قوة الشيطان…

لقد جابه يسوع الشيطان فى عقر داره، إذا صحّ التعبير، وضع نفسه بين براثنه ليحطمه ويخلّص منه البشر…

دخل إلى مملكته المظلمة ليقيّده ويُبطل قوته…

وقد علّمْنا الرب يسوع نفسه هذه الحقيقة بمثل عندما قال:

[ حِينَمَا يَحْفَظُ اَلْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحاً تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ اَلْكَامِلَ اَلَّذِي اِتَّكَلَ عَلَيْهِ وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ] [ لوقا 11: 21. 22 ]…

 

هكذا انتصر المسيح على الموت لما إجتاز ظلمته، لقد ” وطئ الموت بالموت” كما تنشد الكنيسة…

لقد فتح باب النور والحياة بيديه الداميتين..

ولكنه أحرز هذا الظفر من أجلنا نحن، ليجعلنا مساهمين فيه: نحن ظافرون إذًا على قدر إتحادنا بالمسيح الظافر…

نعم، إننا لا نزال نخطئ ونتألّم ونموت، ولكن طاقة الحياة الظافرة قد زُرِعَتْ فى أعماقنا…

من يمرّ على حقل بعد أن زُرعت فيه البذور يخاله جامدً، ميتً، ولطم الحياة كامنة فى أعماقه تتحفز للوثوب وسوف تنتصب بعد فترة تحت السماء سنابل ذهبية تتماوج فى النور…

عندما كان يسوع موضوعا فى القبر، كان يبدو ميتا كبقية الموتى ولكن الحياة كلها كامنة فى هذا الجسد الساكن، كقنبلة مؤقتة كان لابد لها أن تفجّر الموت وتدحْرج حجر الضريح…

هكذ، فالمتحدون بيسوع يحملون فى أجسادهم المائتة ونفوسهم التى لم تتحرّر بعد كليًا من ضعفه، طاقة قيامة ربهم التى سوف تحوّلهم فى اليوم الأخير على صورة السيد الناهض من بين الأموات…

[ لأَنَّ هَذَا الْفَاسِدَ لاَ بُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ وَهَذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ ] [ 1 كورونثوس 15: 53 ]…

وقد كتب الرسول يوحنا بهذا المعنى، مظهرًا كيف أننا فى آن حاصلون على التجدّد ومنتظرون إعلانه الكامل فينا:

[ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، نَحْنُ الآنَ أَوْلاَدُ اللهِ. وَلاَ نَعْلَمُ حَتَّى الآنَ مَاذَا سَنَكُونُ، لَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ، سَنَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ عِنْدَئِذٍ كَمَا هُوَ! ] [ 1 يوحنا 3: 2 ]…

 

بالقيامة تحقق الخلاص الذى شاء الرب أن يتممه بتجسّده وصلبه…

القيامة، إذً، علامة نجاح خطة الله لإنقاذ الإنسان…

إنها برهان خلاصنا…

ولذلك، فهى الركيزة الأساسية للبشارة المسيحية…

فقد كان الرسل قبل كل شئ شهودًا لقيامة الرب يسوع المسيح:

[ فَيَنْبَغِي أَنَّ اَلرِّجَالَ اَلَّذِينَ اِجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ اَلزَّمَانِ اَلَّذِي فِيهِ دَخَلَ ‏إِلَيْنَا اَلرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ. مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى اَلْيَوْمِ اَلَّذِي ‏اِرْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ‏ ] [ أعمال الرسل 1: 21، 22 ]…

وكتب الرسول بولس إلى أهل كورونثوس:

[ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ ] [ 1 كورونثوس 15: 14 ]…

القيامة قلب الإيمان المسيحى والحياة الروحية…

إنها أيضا محور الترتيب الطقسى، فكل يوم أحد تذكار للقيامة، وكل قدّاس إلهى هو إستمرار له، والصوم الكبير إستعداد للفصح، والفصح ” عيد الأعياد وموسم المواسم” كما تسميه الطقوس، وقلب الكنيسة الأرثوذكسية فيه تنشد الكنيسة متهللة:

 

المسيح قام…بالحقيقة قام…

إخرستوس أنستى… أليسوس أنستى…

 

* ملحق:

عظة للقدّيس يوحنا ذهبى الفم بمناسبة أحد الفصح المجيد:

من كان حسن العبادة ومحبًا لله فليتمتع بحسن هذا الموسم البهيج. من كان عبدًا شكورًا فليدخل إلى فرح ربه مسرورًا. من تعب صائمًا فليأخذ الآن أجرته دينارًا. من عمل من الساعة الأولى فلينل اليوم حقه بعدل. من قدِم بعد الساعة الثالثة فليعيّد شاكرًا. من وافى بعد الساعة السادسة فلا يشك فإنه لا يسر شيئًا. من تأخّر إلى الساعة التسعة فليتقدّم غير مرتاب. من وصل الساعة الحادية عشرة فلا يخف الإبطاء فإن السيد كريم جوّاد، يقبل الأخير مثل الأول، ويربح العامل من الساعة الحادية عشرة مثل العامل من الساعة الأولى. يرحم الأخير ويرضى الأول. يعطى ذاك ويهب هذا. يقبل الأعمال ويسر بالنية. يُكرم الفعل ويمدح العزم. فإدخلوا إذًا كلكم إلى فرح ربكم. أيها الأولون والأخيرون خذوا أجوركم. أيها الأغنياء والفقراء أطربوا معا فرحين…

أمسكتم وتوانيتم أكرموا هذا النهار. صمتم ولم تصوموا أفرحوا اليوم. المائدة ملآنة فتمتعوا كلكم. العجل سمين وافٍ فلا يخرجن أحدًا جائعا. تمتعوا كلكم بوليمة الإيمان. تمتعوا كلكم بوليمة الصلاح. لا ينوحنّ أحد عَن فقر فإن المملكة العامة قد ظهرت. لا يندمنّ أحد على إثم فإن الصفح قد بزغ من القبر. لا يخف أحد الموت فإن موت المخلص قد حرّرنا. فإنه قد أخمد الموت حين قبض الموت عليه، وسبى الجحيم بنزوله إليه. مرمره لما ذاق جسده. هذا ما سبق أشعياء ونادى قائلاً: تمرمر لما إلتقاك أسفل. تمرمر لأنه بطل. تمرمر لأنه هُزئ به. تمرمر لأنه قد أميت. تمرمر لأنه قد أبيد. تمرمر لأنه قد رُبط…

تناول جسدًا فصادف إلها…

تناول أرضًا فألفاها سماءًا…

تناول ما نظر، فسقط من حيث لم ينظر…

أين شوكتك ياموت؟…

أين غلبتك ياهاوية؟…

قام المسيح وأنت صرعت…

قام المسيح والشياطين تساقطت…

قام المسيح والملائكة جذلوا…

قام المسيح والحياة انبعثت…

قام المسيح ولا أحد ميت فى القبر…

قام المسيح من الأموات فصار باكورة الراقدين…

فله كلّ المجد والعزّة إلى دهر الداهرين. آمين…

 


 

3 – إشتراكنا فى صليب الرب وقيامته

   

* تمسك الإنسان بأنانيته مخافة من الموت:

إن ما فعله الرب بإجتيازه الموت الذى قاده إلى القيامة، إنما فعله من أجلنا…

ذلك أن الإنسان كان عليه، كى يُخلّص من شقائه وتفككه،أن يقبل بالتخلّى للأنا، فيلاقى الله من جديد وينعم بحياته…

ولكن الإنسان الساقط لم يعد قادرًا على هذا التخلّى لأن فى ممارسته شعورًا بالإنسلاخ والفراغ وضياع الذات…

وبعبارة أخرى، إذا شاء الإنسان أن يعرض عن إتخاذ الأنا محورًا لكل شئ، شعر وكانه يموت، كأن حياته تفلت منه…

لذا يتمسّك الإنسان بأنانيته مخافة من الموت…

ولكنه بذلك يبقى بعيدًا عن الله، ينبوع الحياة، وبالتالى يبقى أسير الموت ( بمعناه العام، أى بمعنى التفكك الكيانى الذى ليس الموت الجسدى سوى مظهر من مظاهره )…

إذً، الإنسان يبقى أسير الموت بداعى خوفه من الموت…

تلك هى المفارقة الكبرى التى هى فى صميم مأساة الإنسان والتى يمكن لكلّ واحد منا أن يختبرها…

 

فلنتساءل:

لماذا نخطئ، فنجعل حاجزًا بين الله وبيننا؟…

الجواب العميق عن هذا السؤال هو أننا نخطئ مخافة من الموت…

لماذا يسرق الإنسان؟…

لأنه مثلاً يخاف من الحرمان، والحرمان نوع من الموت…

لماذا الكذب؟…

لأنه مثلاً يخاف من العقاب، والعقاب نوع من الموت…

لماذا يزنى؟…

لأنه فى كثير من الأحيان يخاف من العزلة، والعزلة نوع من الموت…

لماذا يتباهى؟…

لأنه يخاف أن لا يعجب به الناس، أن يهملوه، وإهمال الناس له نوع من الموت…

مجمل الكلام أننا نستعبد أنفسنا للخطيئة، وبالتالى للموت، الذى هو على حدّ تعبير الرسول بولس:

[ أَجْرُ اَلْخَطِيْئَةِ  ] [ رومية 6: 32 ]…

لأن الخطيئة تفصل عن الله مصدر الحياة، بسبب خوفنا من الموت…

هذا ما عبّر عنه الكتاب المقدّس فى الرسالة إلى العبرانيين بقوله:

[ وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ ] [ عبرانيين 2: 15 ]…

 

ولنا نموذج لذلك فى علاقتنا البشرية…

كل إنسان يحلم بأن يعيش صداقة كاملة وحبًا كاملاً، لأن قلبه يتوق إلى شركة إنسانية كهذه يروى بها عطشه إلى حياة كاملة…

ولكن الصداقة الكاملة والحب الكامل أمران يسعى إليهما الإنسان دون أن يتمكّن من إدراكهما كليًا…

إنه فى أحسن الإحتمالات يقترب من تحقيقهما ولكنه، حتى فى هذه الحال، يُبقى على شئ كثير من العطش والعزلة…

إن إتحاده بمن يحب لا يمكن أن يكون كاملاً…

لماذا؟…

لأن إتحاد الإنسان بمن يحبه لا يتم إلا إذا قبل الإنسان بأن لا يكون أناه محورًا لوجوده، بأن يتخلّى عن تملّك ذاته، بعبارة أخرى إذا قبل الإنسان بأن يمر بخبرة الموت…

ولكن الإنسان فى وضعه الساقط، وأن قبل جزئيًا بتلك الخبرة، لا يستطيع أن يقبلها كليًا وفى الصميم…

أنه يخاف الموت ولذا يبقى أسير العزلة وبالتالى أسير الموت…

 

* الكلمة المتجسّد الوحيد الذى استطاع أن يتخلى عن تملك ذاته:

يسوع المسيح وحده تمم بناسوته ما لم يكن بوسع أى إنسان أن يتممه…

الإنسان يسوع المسيح استطاع وحده أن يتخلّى بالحقيقة عن تملّك ذاته، وبعبارة أخرى استطاع وحده أن يقبل الموت بالكلية وفى الصميم…

ولذ، استطاع وحده أن يلج بإنسانيته إلى مجد الله…

لقد كان رئيس الكهنة عند اليهود يدخل مرة فى السنة إلى قدس الأقداس ( الذى كان يمثل السماء ) حاملاً دم الذبائح…

الرسالة إلى العبرانيين تقول لنا أن ذلك كان رمزًا للمسيح الذى كان فى الآن نفسه الكاهن والذبيحة، وقد دخل بدمه المسفوك إلى مجد الله:

[ وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْخَلِيقَةِ. وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً ] [ عبرانيين 9: 11، 12 ]…

هذا الدخول إلى مجد الله إنما ظهر بالقيامة…

 

* المسيح نائب عن البشر أجمعين:

ولكن يسوع المسيح قد أتمّ هذا العطاء الكامل لا من أجل نفسه بلّ بالنيابة عن البشر أجمعين…

عندما قبل الموت كليًا إنما قبله كممثل عن البشر الذين لا يستطيعون هم قبوله…

هذا ما عبّر عنه الرسول بولس بقوله:

[ لأَنَّ مَحَبَّةَ اَلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ اَلْجَمِيعِ. فَالْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا ] [ 2 كورونثوس 5: 14 ]…

عطاؤنا ناقص لا يمكن أن نبلغ به إلى الله، إنه مشوب بالأنانية المستحكمة فينا بسبب خوفنا من الموت…

ولكننا نستطيع أن نلج إلى الله من خلال عطاء يسوع المسيح الكامل…

يسوع، بما أنه قربان كامل لله، يشفع بضعفنا وعجزنا ويقرّبنا من الله، كأننا طيور مكسورة الأجنحة يحملها نسر قوى ويحلّق بها إلى أقصى الفضاء:

[ لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هَذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ ] [ عبرانين 7: 25 ]…

بذبيحة الرب يسوع إذًا، تلك الذبيحة التى تبلغ وحدها السماوات، ننال القيامة التى هى تدفق الحياة الإلهية فى كياننا المتفكك، المائت…

 

* إرادة الإنسان والخلاص:

ولكن الفداء لا يفعل فينا بشكل سحرى…

الله لا يُخلّص الإنسان بالاستقلال عن إرادة الإنسان لأنه يحترم حريته…

لذا لا ينال القيامة من يرفض الإشتراك فى صليب المسيح، أى من لا يقبل أن يدخل فى طريق الموت عن الذات سلكها يسوع حتى النهاية…

لقد علّمنا الرب صراحة أنه لا يسعنا الإشتراك معه فى الحياة الإلهية ( أى فى قيامته ) إن لم نسلك فى أثره طريق الموت:

[ إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا ] [ متى 16: 24، 25 ]…

وقد علّمنا الرسول بولس أن إشتراكنا فى الصليب ضرورى إذا شئنا أن نكون منتمين إلى المسيح وبالتالى أبناء القيامة:

[ وَلَكِنَّ اَلَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا اَلْجَسَدَ ( أى الخطيئة، أى عبادة الذات ) مَعَ اَلأَهْوَاءِ وَاَلشَّهَوَاتِ ] [ غلاطية 5: 24 ]…

و[ فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ اَلْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ ] [ رومية 6: 8 ]…

و[ حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضاً فِي جَسَدِنَا ] [ 2 كورونثوس 4: 10 ]…

و[ لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ اَلأَمْوَاتِ ] [ فيليبى 3: 10، 11 ]…

 

* التوبة والأعمال:

إننا فى وضعنا الساقط لا نستطيع بالطبع أن نقدّم ذواتنا بالكلية، ولكن المطلوب منا أن نجتهد فى هذا السبيل…

أن ننوى بصدق السير فى طريق نكران الذات وراء المعلم…

تلك هى التوبة فى الأساس…

إنها سير فى طريق إسلام الذات لله…

وهذا السير يدوم الحياة كلها لأن عطاءنا يبقى ناقصا ما حيينا…

لذا فالكنيسة ليست كنيسة الصديقين بلّ كنيسة التائبين أى العائدين من عبادة ذواتهم إلى عبادة ربهم…

ولنا فى هذا السير دافعان يشددان عزمنا:

1 محبة المسيح لنا:

لقد تجلّت محبة المسيح لنا بشكل باهر فى بذله ذاته من أجلنا…

وقد قال هو عن نفسه:

[ لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ ] [ يوحنا 15: 13 ]…

وأيضا:

[ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ اَلْخِرَافِ ] [ يوحنا 10: 14، 15 ]…

هذا الحب المبذول يثير حبنا ويدفعنا إلى أن نحيا فيما بعد لا لذواتنا بل للذى مات عنّا حبًا…

بهذا المعنى كتب بولس الرسول:

[ لأَنَّ مَحَبَّةَ اَلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ اَلْجَمِيعِ. فَالْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ اَلْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ اَلأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَام ] [ 2 كورونثوس 5: 14، 15 ]…

وفى مكان آخر كتب:

[ مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي ] [ غلاطية 2: 20 ]…

أى أننى أسلّم ذاتى ( هذا هو المعنى العميق للإيمان ) لذلك الذى أسلَم ذاته لأجلى…

هكذا فالحب الذى تثيره فينا محبة المسيح المبذولة لنا حتى الموت يساعدنا على التغلّب على الخوف من الموت، ذلك الخوف الذى يحول دون تقدمة ذواتنا…

هذا ما تنشده الكنيسة عن الشهداء:

{ لأن المحبة قد غلبت الطبيعة ( أى مخافة الموت المتأصلة فى طبيعتنا ) وجعلت العاشق أن يتّحد بواسطة الموت بالمعشوق } ( خدمة عيد القديس جورجيوس )…

 

2  ثقتنا بانتصار المسيح على الموت:

ومن جهة أخرى فإن حدّة الخوف من الموت تخف فينا لمعرفتنا أن المسيح قهره بمروره فيه…

فيما كان يتحدّث عن قيامة السيد، هتف الرسول بولس بلهجة الانتصار:

[ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ ] [ 1 كورونثوس 15: 55 ]…

ونحن إذا شئنا التخلّى عن أنانيتنا ومررنا من جراء ذلك فى خبرة الموت يهدأ جزعنا لعلمنا أننا لسنا نجتاز هذه الخبرة وحدنا، بل بمعيّة ذاك الذى إجتاز الموت قبلنا وقهره:

[ أَيْضاً إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ اَلْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي ] [ مزمور 23: 4 ]…

 

* الرب يعين ضعفنا:

إننا نتمرّس، إذًا، على تقدمة ذواتنا مدفوعين بالحب الذى تثيره فينا محبّة الرب لنا وبثقتنا بانتصاره على الموت…

ولكن الرب أيضًا يعين ضعفنا…

ذلك أننا إذا قبلنا أن نشترك فى صليبه، فإن تقدمتنا هذه، وإن كانت لا تزال ناقصة، مشوبة بالأنانية، تبلغ إلى الله محمولة على أجنحة تقدمته هو، كما رأينا…

وبعبارة أخرى فإن قبولنا الإشتراك فى صليب المسيح يجعلنا مشتركين فى قيامته أيضًا، أى فى الحياة الإلهية التى إحتاجت إنسانيته المقرّبة إلى الله…

وإذا تدفقت الحياة الإلهية فينا، أصبحنا أكثر قدرة على المحبّة والعطاء…

تلك هى النعمة الإلهية التى تجدّدنا باستمرار بفعل صليب الرب وقيامته…

 

* إقتبال الأسرار الإلهية:

هذا ما يجرى خاصة عند إقتبالنا الأسرار الإلهية…

فعند إقامة سر الشكر مثلاً، فى القدّاس الإلهى، يأتى المؤمنون إلى الله بتوبتهم ( أى بعزمهم على إسلام ذواتهم لله ) ولكن هذه التقدمة لا تبلغ إلى الله إلا لكونها تندمج فى التقدمة الكاملة الوحيدة، تقدمة المسيح المصلوب التى يشكّل كل قداس إمتدادًا لها…

إستحالة الخبز والخمر ( اللذين يمثلان تقدمة البشر ) إلى جسد ودم المسيح معناها أن المسيح إتخذ توبة البشر الناقصة ودمجها بتقدمته هو ليوصلها إلى الآب…

هكذا يبلغ المؤمنون بالمسيح إلى الله وينالون بتناول القرابين الحياة الإلهية فيصيرون مشاركى القيامة التى تجدّدهم وتؤهلهم لأن يكونوا بدورهم قرابين…

 

* التوبة المستمرة:

هكذا بالتوبة التى هى عملية تستمر العمر كلّه – لأن طاعتنا لله ناقصة ما حيينا – وبالأسرار، نشترك أكثر فأكثر فينا على حدّ تعبير الرسول، أى نصبح أكر فأكثر مساهمين فى انفتاحه التام للآب وفى تدفّق الحياة الإلهية فيه…

وهكذا شيئًا فشيئًا نصبح على حد تعبير الرسول:

[ كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً اِحْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتاً عَنِ اَلْخَطِيَّةِ وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا ] [ رومية 6: 11 ]…

وشيئًا فشيئًا نستطيع أن نتبنى قول الرسول:

[ لأَنِّي مُتُّ بِالنَّامُوسِ لِلنَّامُوسِ لأَحْيَا لِلَّهِ. مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي ] [ غلاطية 2: 19، 20 ]…

 


 

4 – الفداء ومحبة القريب

   

* محبة الفادى لنا تلهم محبتنا للناس:

محبة الفادى التى تجلّت فى بذله ذاته عنّا هى بمثابة النار التى لا بدّ أن تُلْهب ما حولها…

إنها حَرِيّة بأن تُضرم فينا بدورنا نار المحبة…

لقد قال الرب بهذا المعنى:

[ جِئْتُ لأُلْقِيَ نَاراً عَلَى اَلأَرْضِ فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اِضْطَرَمَتْ؟ ] [ لوقا 12: 49 ]…

الحب يستدعى الحب…

لقد بيّن علم النفس الحديث أن الطفل يستمد من محبة والديه له المقدرة على أن يحب بدوره الناس، وبعبارة أخرى إن حب والديه له يوقظه إلى الحب، يفجّر فيه طاقة الحبّ…

هكذا المحبة الفائقة التى أبداها الرب نحونا تنتزعنا من إكتفائيتنا لتلقى بنا بدورنا فى مجازفة الحب…

هذا الجواب الحى على محبّة السيّد يتّخذ، كما رأينا، شكل الحب لشخصه، ولكنه يتّخذ أيضًا شكل محبّة البشر…

ذلك لأنه لا يسعنا، إذا كنّا مؤمنين، إلا أن نرى فى كل إنسان، أيًّا كان:

[ فَيَهْلِكَ بِسَبَبِ عِلْمِكَ اَلأَخُ اَلضَّعِيفُ اَلَّذِي مَاتَ اَلْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ ] [ 1كورونثوس 8: 11 ]…

عند ذاك يصبح كل إنسان، فى نظرنا، ذا قيمة لا تقدّر، قيمة الدم الإلهى الذى سكب من أجله…

 

* إن محبة الفادى لنا تعين نوعية محبيتنا للناس:

محبّة الفادى لا تُلْهِم محبتنا للناس وحَسْب، ولكنها أيضا تعين نوعيتها…

ذلك أنه ينبغى لنا أن نحبّ الناس بالمحبّة التى أحبهم بها المسيح…

تلك هى وصية السيد فى خطابه الوداعى:

[ هَذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ ] [ يوحنا 15: 12 ]…

هذا يعنى أنه ينبغى أن تكون لمحبتنا للناس الصفات التالية:

 

أ – مبنية على بذل الذات:

يُكْثر الناس من استعمال كلمة ” أحبّ”، ولكنها هيهات أن يكون الحب الذى يتحدّثون عنه فى كثير من الأحيان هو الحب الأصيل الذى عاشه السيّد…

” أحب التفاح” يعنى أننى أتلف التفاح من أجل لذتى…

” أحبّ” إنسانا يعنى فى كثير من الأحيان، إذا شئت أن أواجه حقيقتى، أننى أريد تسخيره وإستغلاله لشهوتى ومصلحتى…

أمّا المسيح فقد أحبّنا من أجل أنفسنا وعوض أن يُسَخّرنا له سَخّرَ نفسه لأجلنا…

لقد إعتبر أن لنا من الأهمية ما يُبرّر سفك دمه الإلهى عنّا…

فأتاح لنا هكذا أن نكتشف المحبّة الحقة التى تقوم على العطاء…

ولذا نرى الرسل يحثونا على إقتفاء آثتار السيّد فى محبتنا للناس، فقد قال الرسول يوحنا:

[ وَمِقِيَاسُ الْمَحَبَّةِ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي قَامَ بِهِ الْمَسِيحُ إِذْ بَذَلَ حَيَاتَهُ لأَجْلِنَا. فَعَلَيْنَا نَحْنُ أَيْضاً أَنْ نَبْذُلَ حَيَاتَنَا لأَجْلِ إِخْوَتِنَا ] [ 1 يوحنا 3: 16 ]…

”  أَنْ نَبْذُلَ حَيَاتَنَا ” يسوع لم يعطِ فقط أشياء مما له، إنما أعطى ذاته للناس، طيلة حياته أولاً، التى كانت مسخّرة لخدمتهم، ثم فى تقدمته الكبرى على الصليب…

ما يُطلب منّا أن لا نكتفى نحن أيضًا بإعطاء بعض الوقت والمال للغير، بلّ أن يكون الغير شغلنا الشاغل وموضوع إهتمامنا الدائم…

المطلوب أن لا نعود نحن مركز إهتمام ذواتنا بلّ أن يصبح الغير هم مركز الإهتمام، كما كتب الرسول بولس:

[ فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ اَلضُّعَفَاءِ وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا. فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ لأَجْلِ اَلْبُنْيَانِ. لأَنَّ اَلْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ ] [ رومية 15: 1 – 3 ]… 

ب – تتجلّى بالمشاركة:

المسيح إذ أحبنا شاركنا حياتنا وآلامنا وموتنا…

ومحبتنا نحن أيضًا يجب أن تتحلّى بالمشاركة…

قد يكون فى الشفقة ترفّع عن الغير، ولذا فقد تجرح الناس وتضيف إلى آلامهم ألما جديدًا ومرارة…

لذلك أوصى الكتاب:

[ فَرَحاً مَعَ اَلْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ اَلْبَاكِينَ ] [ رومية 12: 15 ]…

وأيضًا:

[ اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي الْجَسَدِ ] [ عبرانيين 13: 3 ]…

وقد عاش الرسول بولس المحبّة إلى حدّ المشاركة الصميمة فى المآسى التى أحسّها:

[ مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟ ] [ 2 كورونثوس 11: 29 ]…

 

ج – توجه الإرادة والعمل:

ولكن هذه المشاركة لا قيمة لها إن لم تتعدّ صعيد العاطفة…

فقد نريح ضميرنا بشكل رخيص مكتفين بأن ” نشعر” مع الناس…

ولكن مشاعرنا لا تهم الله كثيرًا…

أن ما يهمه إرادتنا…

المسيح لن يتلهَّ بتعابير غنائية عن المحبة وإنما عاشها فى عرق وجهاد وفى النهاية بتسلم ذاته للموت…

لذ، فليس المهم أن ” أحسّ” نحو الناس بانعطاف، إنما المهم أن أوجّه إرادتى بالفعل نحو خدمتهم…

هذا ما علّمنا إيّاه الرسول يوحنا بقوله:

[ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ الصِّغَارُ، لاَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَحَبَّتُنَا مُجَرَّدَ ادِّعَاءٍ بِالْكَلاَمِ وَاللِّسَانِ، بَلْ تَكُونَ مَحَبَّةً عَمَلِيَّةً حَقَّةً ] [ 1 يوحنا 3: 18 ]…

 

د – مجانية، غير مشروطة:

لقد كان الله هو البادئ بالمحبّة، إذ أن الإله المتجسّد بذل نفسه عنّا بغض النظر عن عدائنا له، عن رفضنا إيّاه…

لقد أحبنا مجانا، دون قيد وشرط، لا لسبب آخر سوى حبّه المجانى…

هذا ما حدّثنا عنه الرسول بولس بقوله:

[ لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ. فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضاً أَنْ يَمُوتَ. وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ اَلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. ] [ رومية 5: 6 – 8 ]…

وبالمعنى نفسه كتب الرسول يوحنّا:

[ وَفِي هَذَا نَرَى الْمَحَبَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ، لاَ مَحَبَّتَنَا نَحْنُ لِلهِ، بَلْ مَحَبَّتَهُ هُوَ لَنَا. فَبِدَافِعِ مَحَبَّتِهِ، أَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا ] [ 1 يوحنا 4: 10 ]…

هكذا يجب أن تكون محبتنا للناس مجانية كمحبة يسوع لنا…

يجب أن نحبهم مهما كانت صفاتهم، مهما كان إنسجامهم و عدم إنسجامهم معنا، مهما كانت علاقاتهم بنا وتصرّفاتهم نحونا:

[ وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ اَلْخُطَاةَ أَيْضاً يُحِبُّونَ اَلَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ.

وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى اَلَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ اَلْخُطَاةَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هَكَذَا.

وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ اَلَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ فَأَيُّ فَضْلٍ لَكُمْ؟ فَإِنَّ اَلْخُطَاةَ أَيْضاً يُقْرِضُونَ اَلْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ اَلْمِثْلَ.

بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئاً فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيماً وَتَكُونُوا بَنِي اَلْعَلِيِّ فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ اَلشَّاكِرِينَ وَاَلأَشْرَارِ ] [ لوقا 6: 32 – 35 ]…

 

المسيحى هو دوما البادئ بالمحبة كما ان المسيح هو المبادر بالحب نحونا…

لقد كنّا غرباء عنه، ضائعين فى متاهات عبادة الذات، ولكنه أتى إلينا – ولا يزال يأتى – فجعلنا قريبين إذ غمرنا بحبّه المبذول…

هكذا علّمنا من هو القريب…

لقد كان اليهود يعتقدون أن القريب، الذى تتوجّب عليهم محبّته، هو من كان يشاركهم فى الجنس والدين..

وذات يوم سأل أحد معلّمى الناموس يسوع قائلاً : من هو قريبى؟…

فلم يجبه مباشرة بلّ روى له مثل السامرى الصالح:

[ إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ وَمَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ. فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِناً نَزَلَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ فَرَآهُ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. وَكَذَلِكَ لاَوِيٌّ أَيْضاً إِذْ صَارَ عِنْدَ الْمَكَانِ جَاءَ وَنَظَرَ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. وَلَكِنَّ سَامِرِيّاً مُسَافِراً جَاءَ إِلَيْهِ وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ  فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتاً وَخَمْراً وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُقٍ وَاعْتَنَى بِهِ. وَفِي الْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ وَقَالَ لَهُ: اعْتَنِ بِهِ وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ. فَأَيُّ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيباً لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟  فَقَالَ: الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضاً وَاصْنَعْ هَكَذَا] [ لوقا 10: 25 – 37 ]…

هنا فجّر يسوع وصية المحبة التى كانت فى العهد القديم، إذ أعطانا أبعادًا شاسعة وجعلها تتخطى كلّ الحدود…

علمنا أن القريب ليس من هو قريبى، أى من تربطنى به روابط اللحم والدم، روابط العاطفة والمصلحة، روابط الرأى الواحد، والمجتمع الواحد…

إنّما قريبى هو من أصير أنا قريبًا منه بمحبتى له…

القريب هو من أقترب أنا منه بالمحبّة…

إننى أصبح قريبا لكل إنسان – ويصبح كل إنسان قريبى – إذا أحببته، ولو لم يكن بين هذا الإنسان وبينى أى رابط بشرى…

أكثر من ذلك، إذا كان إنسان ما عدوّى، فمحبتى غير المشروطة له تجعله قريبا، كما أن المسيح صار قريبًا لى، وقد كنت عدوّه، إذ بذل نفسه عنّى…

 

ه – موجهة بصورة خاصة إلى المتألمين:

تلك المحبّة للقريب يجب أن تشمل بنوع خاص البشر المتألمين، الذين هم بحاجة خاصة إليها…

إن كنّا نحب المسيح فلنا أن نرى فى كلّ معذبى الأرض وجهه الدامى المكلّل بالشوك وجسده الممزّق وكرامته المداسة من الناس ونفسه الحزينة حتى الموت…

ذلك أن الرب نفسه جعل تلك المطابقة بين المتألمين وبينه، فأقام وحدة بينه وبين الجائعين والعطاش والعراة والغرباء والمرضى والمسجونين:

[ لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ ] [ متى 25: 35، 36 ]…

هذا ما سوف يقوله الرب للأبرار فى اليوم الأخير، مضيفا:

[  فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ ] [ متى 25: 40 ]…

والصغار هؤلاء هم البؤساء والضعفاء الذين هم بنوع خاص أخوة يسوع إذ لم يشارك الرب البشر أمجادهم وغناهم بلّ إرتضى أن يشاركهم بؤسهم وفقرهم…

المألمون إمتداد للمسيح المتألم…

ولذلك كان أحد الآباء الروحيين يقول:

{ إن شئتم أن تلمسوا اليوم جراح المسيح كما لمسها توما، فما عليكم إلا أن تحتكّوا بإنسان بائس}…

 

لذ، فموقفنا من البائسين لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال موقف الترفع والتفضل، إنما هو موقف إحترام عميق لهؤلاء الذين، وإن لم يدروا، وإن جدّفوا، هم فى بشاعة بؤسهم صورة لذاك الذى إرتضى أن يصبح:

[ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ ‏فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ اَلنَّاسِ رَجُلُ ‏أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ اَلْحُزْنِ وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ ] [ أشعياء 53: 2، 3 ]…

 

يُروى عن القديس يوحنا الذى كان بطريركا للإسكندرية أوئل القرن السابع ودُعى ” يوحنا الرحوم”، أنه عندما استلم مسئوليته البطريركية طلب من أعوانه أن يضعوا له لائحة بأسماء ” سادته”…

وعندما سألوه مستغربين من عسى يكون هؤلاء السادة؟…

أجابهم بأنهم فقراء الإسكندرية…

هذا هو الموقف المسيحى الأصيل…

 

ولكن محبّة البؤساء والمحرومين لا يمكن أن تتخذ طابع العمل الفردى وحسب، لأنها عندئذ تكون ناقصة…

محبتنا المسيحية للبائسين تدعونا لرفض كلّ ما يكرّس يؤسهم وحرمانهم فى الأنظمة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية…

تلك المحبة تدعونا للنضال من اجل إقامة مجتمع يؤمن لمعذّبى الأرض العدالة وشروط حياة كريمة…

هذا ما فهمه عدد متكاثر من المسحيين فى عصرنا الذين فى كلّ أقطار المعمورة يناضلون من أجل العدالة وكرامة الإنسان، مدفوعين لا بإعتبارات إنسانية وحسب بل بقناعتهم بأن كل ظلم يلحق بالإنسان إنما هو طعنة للمسيح فى الصميم… كل ما لم تفعلوه بأحد إخوتى هؤلاء الصغار فبى لم تفعلوا…

أمام الدماء النازفة من جراح محرومى الدنيا، لا يسع المسيحيين إلا أن يتذكّروا عبارة باسكال الشهيرة:

{ المسيح فى نزاع إلى منتهى الدهر، فكيف يسعنا أن ننام؟ }…

 

* من قيامة المسيح نستمد المقدرة على محبة القريب:

ولكن محبة القريب، كما حددناها، تلك المحبة غير المشروطة التى تتجه إلى الآخر من أجل ذاته وتبذل ذاتها من أجله، تلك المحبة لا تنسجم مع متطلبات ” الإنسان العتيق” فينا، ذلك اِلإنسان الساقط، أسير الأنا، الذى يَعْتبر ذاته مركزًا للكون ولا ينظر إلى الآخر إلا كوسيلة لإشباع شهوته و حاجز دون بلوغ مأربه…

 

المحبة المسيحية تفرض أن نتخلّق بأخلاق الله وهذا لا يتم لنا إلا باشتراكنا بقيامة المسيح التى بها نصبح مساهمين فى حياة الله وبالتالى فى أخلاق الله…

المحبة المسيحية ثمرة القيامة التى نشترك بها كما رأينا بالتوبة وبالأسرار…

” الإنسان العتيق”، وهو فى كل منا كامن ما حيينا، لا قدرة له على المحبة المسيحية لأنه بعيد عن الله، فى تفكك وموت…

الحياة الإلهية إذا تدفقت فى كياننا تكوّن فينا إنسانا جديدًا، مستعيدًا صورة خالقه، وتجعلنا بالتالى قادرين على محبة القريب…

لذ، كتب الرسول يوحنا إلى المسيحيين قائلاً لهم أن المحبة التى تجمع بينهم هى برهان خروجهم من الموت إلى الحياة، أى برهان مساهمتهم فى قيامة المسيح:

[ إِنَّ مَحَبَّتَنَا لإِخْوَتِنَا تُبَيِّنُ لَنَا أَنَّنَا انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. فَالَّذِي لاَ يُحِبُّ إِخْوَتَهُ، فَهُوَ بَاقٍ فِي الْمَوْتِ ] [ 1 يوحنا 3 : 14 ]…

وقد كتب الرسول نفسه أيضًا:

[ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً: لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَصْدُرُ مِنَ اللهِ. إِذَنْ، كُلُّ مَنْ يُحِبُّ، يَكُونُ مَوْلُوداً مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ ( بالمعنى الكتابى: أى متحد بالله ) . أَمَّا مَنْ لاَ يُحِبُّ، فَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّفْ بِاللهِ قَطُّ لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ! ] [ 1 يوحنا 4: 7، 8 ]…

لذ، تربط الكنيسة بين القيامة ومحبة الناس فتنشد فى خدمة الفصح:

{ اليوم يوم القيامة … فلنقل يا إخوة ونصفح لمبغضينا عن كل شئ فى القيامة }، وكانها تذكّرنا بذلك أن إشتراكنا فى القيامة ينبوع محبتنا للآخرين…

 

ولكن إذا كانت محبة الإخوّة ثمرة إشتراكنا فى القيامة، فمن جهة أخرى، التمرّس عليها والجهاد من أجل إكتسابها هو مظهر أساسى لذلك المجهود، مجهود التوبة، الذى به، كما رأينا، نقبل الإشتراك بصليب الرب فنصبح مشتركين فى قيامته…

إن إجهاد تسليم ذواتنا للرب لا ينفصم عن الجهاد فى سبيل محبة القريب:

[ وَنَحْنُ أَنْفُسُنَا اخْتَبَرْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي خَصَّنَا اللهُ بِهَا، وَوَضَعْنَا ثِقَتَنَا فِيهَا. إِنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي اللهِ، وَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ ] [ 1 يوحنا 4: 16 ]…

مجمل الكلام أن محبة القريب هى ثمرة القيامة وطريق القيامة فى آن…

 

إن الاعتراف بالآخر شخصا مستقلاً عن أهوائنا ومصالحنا، مهما بحد ذاته، بعبارة أخرى، الإعتراف به على أنه آخر وليس مجرّد إمتداد لشخصى، هذا الإعتراف الذى تفرضه المحبة المسيحية، ” جحيم” بالفعل ل ” الإنسان العتيق” فىّ، إنسان الشهوة، أسير عبادة الذات…

إنه إنسلاخ وموت…

ولكن من قبل أن يجتاز هذا الموت يشترك فى صليب المسيح ويبلغ إلى الله من خلال إنفتاحه للآخر فتتحقق ” السماء” فى قلبه…

 

*ملحق:

1 – كان يوحنا ذهبى الفم، بطريرك القسطنطينية ( الذى جرّد البطريركية من كل مظاهر الترف وعاش فيها فقيرًا وتوفى سنة 407 فى المنفى لتوبيخه الملوك ) يخاطب بجرأة أغنياء عصره، معلنًا إن إهمالهم للمساكين فى سبيل ترفهم هو إهمال للمسيح نفسه، ومن أقواله:

{ لقد أعطاكم الله سقفا دون المطر لا لترصّعوه ذهبصا فى حين أن الفقير يموت جوعا. وأعطاكم ملابس لتتستروا لا لتزكشوها بترف فى حين أن المسيح العارى يموت بردًا. أعطاكم منزلاً  لا لتسكنوه وحدكم بل لتستقبلوا فيه الآخرين، والأرض لا لتددوا مواردها على الجوارى والراقصات والممثلين وعازفى المزمار والقيثارة ولكن لتسعفوا الجياع والعطاش…} …

{ ماذا ينفع تزيين مائدة المسيح بأوان ذهبية إذا كان هو نفسه سموت جوعا؟. فأشبعه أولاً حينما يكون جائعا. وتنظر فيما بعد فى أمر تجميل مائدته بالنوافل … }…

{ فلا تزين الكنائس إن كان ذلك لإهمال أخيك فى الشدّة، هذا الهيكل أكثر جلالاً من ذاك }…

{ بينما كلبك متخم، يهلك المسيح جوعا }…

إنك تحترم هذا المذبح حينما ينزل إليه جسم المسيح ولكنك تهمل وتبقى غير مبالٍ حينما يفنى ذاك الذى هو جسم المسيح}…

 

2 – ويقول فرانسوا مورياك – الحائز على جائزة نوبل فى الأدب – فى محاضرة أمام ثلاثة آلاف شخص بمناسبة أسبوع المفكرين الكاثوليك، عنوانها: ” الإقتداء بجلادى المسيح”:

{ أيًا كانت مبرراتنا وأعذارنا، أقول أنه، بعد تسعة عشر قرنًا من المسيحية، لا يظهر المسيح أبدً، لجلادى اليوم، فى المعذّب، لا ينكشف الوجه المقدّس أبدًا فى وجه العربى الذى يهوى عليه مفوض الشرطة بقبضته ( وذلك فى نضال المغاربة لنوال استقلالهم عام 1954 وتعذيبهم من الشرطة الفرنسية ) ألا تجدون غريبًا أن يفكّروا أبدًا بإلههم المقيد بالعمود والمسلّم إلى الجند، أن لا يسمعوا، من خلال صراخ ضمائرهم وأنينها صوته المعبود يقول: ” بى تفعلونه”. ذلك الصوت الذى سيدوّى يومًا، ولن يكون عند ذاك متوسل، وسيصرخ بنا كلنا نحن الذى قبلنا وربما لأيدنا هذه الأشياء: ” كنت هتذا الشاب المحب لوطنه والمحارب من أجل ملكه، كنت هذا الأخ الذى كنت تريد أن ترغمه على خيانة أخيه…”. كيف لا تعطى هذه النعمة أبدًا لأحد هؤلاء الجلادين المعمّدين؟ كيف لا يلقى جنود الفرقة أحيانًا سوط الجلد ليركعوا عند أقدام ذاك الذى يجلدونه؟ }…

 

3 – ويقول ” ألبير لحام” فى محاضرة عن ” العدالة السياسية فى المسيحية” التى نشرت بمجلة ” محاضرات الندوة” بتاريخ 11/12/1966، ص 44:

قلب المسيحية هو الإيمان بأن ابن الله إتخذ فى ذاته آلامنا طوعا ليحررنا من الآلام. ليست المسيحية، إذًا، كما يقول البعض، ديانة تدعو إلى الخنوع أمام الألم والظلم…

ليست المسيحية ديانة الألم…

إنما هى ديانة الفداء…

لا قيمة للألم فى نظرنا إلا إذا اقتُبل، كما اقتبله المسيح، محبة بالله وبالآخرين…

المسيحى، إذا أراد أن يسير فى طريق سيده، لا بدّ له أن يكون مستعدًا لإحتمال الألم والموت من أجل تحرير المتألمين والمظلومين والمستعبدين، لا بدّ أن يناضل حتى الدم من أجل العدالة…

هذا ما أوضحه الأستاذ ” ألبير لحام” فى محاضرة ألقاها فى الندوة اللبنانية ضمن سلسلة محاضرات ” العدالة فى المسيحية والإسلام”. وفيما يلى مقطع منها:

{ فى وسط الجناح المخصص للمسيحية فى متحف الإلحاد فى مدينة لينيجراد يقوم تمثال كبير للسيد المسيح يرزح تحت وطأة صليب ثقيل. هذا التمثال، يقول لك الدليل، هو رمز المسيحية التى تدعو الناس إلى حمل الصليب والرضوخ للظلم والقبول بالألم والإستسلام للطغيان بانتظار حياة الآخرة. هذا التعريف الكاريكاتورى للمسيحية، كم يذكرنى بقول الرسول بولس:

[ فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ] [ 1 كورونثوس 1: 18 ]…

فالصليب ليس عنوان الذل والخمول والإستسلام…

بل عنوان المحبة الإلهية الفادية…

والتضامن المطلق مع جميع الناس…

والمشاركة التامة للرازحين تحت الظلم والطغيان…

والمجازفة الجريئة حتى الموت لتحريرهم جميعا…

لأنه، كما تقول الرسالة إلى العبرانيين:

[ فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ ] [ عبرانيين 2: 14، 15 ]…

فإذا كان المسيحى يلتزم قضية العدالة السياسية فى مجتمعه، فلأنه يسير فى خطى ذلك الذى إلتزم بؤسنا وشقاءنا إذ لبس طبيعتنا وخاض معنا، كواحد منا، معركة الموت والحياة، وفتح لنا بصليبه طريق النصر والرجاء وهو القائل:

[ وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ ] [ يوحنا 10: 10 ]…

 


 

5  – الصعود

    

* الصعود تتويج لعملية الفداء:

فالمجد الإلهى، كما رأينا، إجتاح إنسانية يسوع لما أسلمت بإرادتها ذاتها بالكلية على الصليب…

هذا المجد الإلهى نفسه الذى أقام يسوع من بين الأموات كان كفيلاً بأن يصعده إلى السماء، أى بأن يهب لإنسانيته الإشتراك التام بالحياة الإلهية وبالسيادة الإلهية على جميع الكائنات…