هل ثار القبط ضد الحكم العربى؟
Posted by mechristian في فيفري 27, 2013
هل ثار القبط ضد الحكم العربى؟
ثار البشامرة ضد الحكم العربى عدة مرات، بدأوها فى عهد اخر خلفاء بنى أمية مروان الثانى (744-750). أول ما وصلنا من أخبار جاء من التاريخ المشهور ب”تاريخ البطاركة” حمله من هنا حيث قال أن بداية الأحداث كانت فى حوالى عام 749 تحت قيادة رجل يدعى مينا بن باقيرة وكان بصحبته رجال من منطقة تسمى شبرا المجاورة لسنبوت.
المنطقة التى سكنها البشامرة هى منطقة مستنقعات شمال شرق الدلتا تتميز بالطرق الضيقة التى تتسع بالكاد لرجل واحد. البشموريون هم فقط من يعرف المسالك بين مستنقعاتهم، حتى قيل أنه لو وطأت قدمك طمى منطقة ما لا تعرفها هناك فلربما دفعت الثمن حياتك. كان الاقتصاد البشمورى يقوم على تجارة البردى والصيد. ذكر المؤرخ العربى ابن حوقل (القرن العاشر) أن هناك بحيرة ليست بعيدة عن بحيرة البرلس شمال كفر الشيخ الحالية تعرف باسم بحيرة بشمور.
اعتبر المؤرخون العرب التمرد البشمورى مجرد رد فعل على الضرائب الضخمة التى فرضت عليهم، وعلى الظلم البين الذى وقع عليهم من ولاة مصر. يقول صاحب تاريخ البطاركة أن البشامرة قد باعوا أولادهم ليسددوا الضرائب، وأن أولادهم قد دوروا الطواحين كما الثيران ولم يكن ما يسكن الالام البشموريين إلا الموت.
الولاة الذين ظلموا البشامرة، قاموا أيضا بسجن البابا خائيل الأول. كرد فعل قام البشامرة بمهاجمة مدينة رشيد، قتلوا من وصلت إليه أيديهم وأحرقوا المدينة. فشل الجيش الذى أرسله مروان الثانى فى ترويض غضب البشامرة. فى عام 767 تمكن البشامرة أيضا من هزيمة جيش يزيد بن حاتم والى مصر فى ذلك الوقت. الواضح أن اخر شأن البشمورين كان عام 842، وهى أيضا اخر الثورات القبطية عامة.
مما تجدر ملاحظته فى البحث خلف البشموريين أنهم صنعوا أسلحتهم بأنفسهم بالرغم من خلفيتهم الزراعية وكونهم سكان مستنقعات. يبدو أن الأمر بعامة قد سار على هذا النحو، الولاة يفرضون الضرائب المبالغ فيها، البشامرة يرفضون السداد، يهاجمون الجند العرب العاملين لدى الوالى ثم يفرون إلى مناطقهم. الأهم فى شأن البشموريين أن أحد بطاركة القبط فى ذلك الوقت قد أرسل أساقفته ليوقف التمرد والثورة فثار البشموريين جدا ضدهم حتى قيل أنهم اختطفوا ولم يعودوا أدراجهم أبدا.
كتب كلمة النهاية الخليفة العباسى المأمون، فقد أحس الرجل أن أمرا جللا يحدث فى مصر فقدم إليها بجيش عرمرم، كما اصطحب (أو أرغم) البابا ديونيسس بطريرك أنطاكية لينضم إلى بطريرك القبط فى محاولة لإيقاف التمرد. بدأ الخليفة بطريقة العصا والجزرة عارضا على البشامرة الاستسلام مقابل مسامحتهم وإنهاء الحدث برمته. بعدما رُفضت الجزرة استخدم الخليفة عصاه. استخدم الخليفة رجالا من ذات المنطقة وهاجم البشامرة بأقصى ما استطاع. سحق البشامرة سحقا. دُمرت مناطقهم. حُرقت منازلهم. هدمت كنائسهم. سبى الجميع نساء وأطفال ورجال، وإمعانا فى الانتقام أرسل الخليفة أسراه ليباعوا عبيدا فى أسواق دمشق وبغداد.
يقول المؤرخ الكندى (القرن العاشر)، وكذا المقريزى (1441) أن تلك كانت نهاية الصراع بين القبط والعرب. وأن المسلمين قد سيطروا على كامل مصر بعدها ودخلوا حتى القرى الصغيرة، وأن الله قد أذل القبط بعدها كثيرا.
يبدو أن تمرد البشامرة قد أدى إلى الانتقام من القبط بعامة، فلم يعد من حقهم ركوب الخيل أو ارتداء ما يحبون من أزياء. بدا أن البشامرة قد حازوا لعنة الجميع بما فى ذلك القبط، يصف أبو المكارم المؤرخ القبطى (القرن 13) البشامرة بأنهم “جُهال”، لأنهم جلبوا الهوان على بنى جنسهم بسبب تمردهم.
يبدو أن البشموريين كانوا مختلفين فى كل شىء، فقد تكلموا لهجة قبطية خاصة بهم. يذكر الأنبا أثناسيوس أسقف قوص (القرن 14) عندما ألف كتابه عن اللغة القبطية بالعربية أن اللهجات القبطية ثلاث، الصعيدية والبحيرية والبشمورية، وأن البشمورية قد اختفت باختفاء أهلها وتهجيرهم. وذات الأمر يتأكد من أبحاث كاسر وشعيشع حليفى فيما يعرف باللهجة المنصورية التى وصلنا منها نصوص نادرة. بقى أن نشير أنه فى عام 1998 أصدرت الكاتبة المصرية سلوى بكر رواية عن البشامرة حمل من هنا (رأيى أنها قطعة خالصة من المتعة الأدبية، كأنك تقرأ الروائى المصرى الأعظم – فى رأيى الشخصى أيضا- عادل كامل فى روايته الأهم على الاطلاق ملك من شعاع)، من تفاصيل كثيرة ذكرتها الروائية الموهوبة قالت أن البشامرة قد حادثوا بعضهم بلهجة قبطية لا يفهمها الاخرون.
مأخوذة بتصرف عن:
G.Gabra, “The Revolts of the Bashmuric Copts in the 8th and 9th centuries”, In: W.Beltz, Die Koptische Kirche in den erste drei islamischen Jahrhunderten, 2003
Sorry, the comment form is closed at this time.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.